قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}
  ثم قال سبحانه: {كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا}، فذكر عظيم ما تكلموا فيه، ونطقوا به من أفواههم، وأتوا به من قبيح كلامهم، ثم قال سبحانه: {إن يقولون إلا كذبا}، والكذب فهو: الزور، واجتراح الباطل من الأمور؛ جرأة وجهلا، وعماية وغشما؛ فأكذبهم الله سبحانه في قولهم، وزجرهم عما أتوا به من زور كلامهم، تعالى الله عما يقول الظالمون، وينسبه إليه الجاهلون.
  ثم قال سبحانه لنبيه #: {فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا}، والباخع بنفسه هو: الذي يسخو بها؛ فأراد الله سبحانه بقوله: {باخع نفسك}، أي: متلفها، غما وأسفا على ما يعاني من تكذيبهم، وصدودهم وشدة كفرهم، ولم نكلفك ذلك فيهم، ولم نفترض عليك أن تتلف نفسك بشدة الحزن والوجد والأسف، وإنما عليك الإعذار والإنذار، والله سبحانه المعاقب لهم، والمجازي بالهلكة على فعلهم، من بعد قيام الحجة عليهم؛ فكان ÷ إذا اشتد ما يرى من صدودهم، وما يعاني من إقدامهم بالكذب على خالقهم - عظم لذلك حزنه، وتأكد وجده؛ والغم فقد يتلف النفس، ويستجلب الأمراض؛ ألا تسمع كيف أخبر الله سبحانه عن نبيه يعقوب صلى الله عليه وآله إذ يقول: {وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم}، فبلغ به الحزن إلى أن ذهب بصره، وكظمه؛ وكذلك أيضا: أيوب #، بلغ به الحزن إلى أن أذهب لحمه، وأنغل جلده(١)، وأشرف على الموت؛ لعلته، لولا ما كان من إبقاء الله لنفسه.
  ثم قال سبحانه: {إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها}: فكذلك كل ما جعل الله سبحانه عليها، وما خلق فيها وذرأ فهو زينة لها، وحجة له ø على أهلها، ودليل على وحدانيته، وشاهد على ربوبيته، وحد سبحانه في جميع ذلك أحكاما بينها
(١) نَغِلَ الجِلدُ، وأَنْغَلَ: فَسَدَ، كما يستفاد من القاموس المحيط.