تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}

صفحة 157 - الجزء 2

  وافترضها، فيما جعل على الأرض وذرأه في جميع ما خلق فيها. ثم قال سبحانه {لنبلوهم}، ومعنى: {لنبلوهم} أي: نمتحنهم ونختبرهم، فيما خلقنا وجعلنا، وهم: فممن خلق على ظهر الأرض بزينتها؛ ولما أراد الله سبحانه من إظهار حكمته وتدبيره، وحسن تقديره، وأمره لهم ونهيه. فابتلاهم بالأمر والنهي؛ لتبين طاعة المطيعين، فيستوجبون بذلك الثواب من رب العالمين، وتظهر عند الأمر والنهي معصية العاصين، فيستوجبون بذلك العذاب المهين. ثم قال سبحانه: {أيهم أحسن} عند الأمر والنهي {عملا}، وطاعة، واستقامة.

  ثم قال سبحانه {وإنا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا}، الصعيد فهو: التراب؛ أراد الله سبحانه: أن جميع الخلق، وما على وجه الأرض - يصير صعيدا جرزا، يقول: رفاتا ذاهبا، والجرز فهي: الأرض التي ليس يحييها مطر، وهي: الأرض الجرز التي لا تنبت شيئا.

  ثم قال سبحانه: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}، والكهف فهو: كل ما كان في الجبال مجوفا مضيئا يسمى: كهفا، يسكن فيه، ويؤوى إليه، ويظل من الشمس والأمطار، ويدخل عند وهج النهار. والرقيم فهو: الجبل الذي فيه الكهف. وقد قيل: إنه الموضع الذي فيه الكهف. وأي ذلك كان فجائز في المقال، والذي أقول به - والله أعلم -: أن الرقيم هو: الجبل. {كانوا من آياتنا عجبا}، يقول سبحانه: إنهم لم يكونوا من أعظم الآيات؛ بل كان في آياتنا ما هو أعجب وأعظم من هؤلاء، وإن كان فيهم العجب العجيب لمن فكر، وعقل واعتبر وازدجر: أن يكون قوم ممن خلقهم الله كخلق الآدميين، وركب فيهم في الأكل والشرب والروح ما ركب في جميع المخلوقين، ثم أقاموا بلا أكل ولا شرب ثلاثمائة سنة وتسع سنين، لم تتغير لمر السنين أمعاؤهم، ولم تذهب بطول المدة لحومهم، ولم تؤثر الأرض في أبدانهم؛ فهذا من أعظم دلالة لمن أبصر، وأبين حجة لمن تفكر، وآمن بالله واعتبر؛ فكان الناس يتعجبون من بقاءهم، وسلامة