قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}
  بذلك؛ لئلا يحدث في جنوبهم من طول المكث على الأرض فساد؛ وقد يمكن: أن يكون الله ø يأمر بهم ملائكته يقلبونهم؛ لتراوح(١) جنوبهم، ويفعل في ذلك ما يشاء؛ إذ هو سبحانه إذا أراد شيئا قال له: «كن»، فيكون. ثم ذكر كلبهم الذي كان معهم، فقال: {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد}، والوصيد فهو: باب الكهف.
  ثم قال سبحانه: {لو أطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا}؛ وذلك: أن الله سبحانه طرح عليهم الهيبة والجلالة، فكانت هيبتهم تملأ قلب ناظر لو نظر إليهم، حتى يدعوه ذلك إلى ما ذكر الله سبحانه من الفرار منهم.
  قال: {وكذلك بعثناهم ليتساءلوا بينهم}، والتساؤل فهو: التخابر بينهم عما خالفوا فيه قومهم، فكان من كلامهم ما قال سبحانه: {قال قائل منهم كم لبثتم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم}، فلم يدروا: كم لبثوا، حتى قالوا: {يوما أو بعض يوم}، فاستكثروا اليوم، حتى قالوا: {أو بعض يوم}، وقد أقاموا المدة الطويلة؛ ثم رجعوا بالتسليم لله سبحانه، فقالوا: {ربكم أعلم بما لبثتم}، يريدون بذلك: كمال اليوم أو بعضه. ثم قالوا: {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه}، ومعنى الورق فهو: الفضة؛ والمدينة فهي: مدينتهم التي كانوا فيها. ثم قالوا: {فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه}، يريدون: أيها أزكى وأطهر، فليشتري لكم منه، وإنما أرادوا بذلك: أي أهل القرية أصلح في إسلامه، وأثبت على طاعة ربه، فيشتري لهم من ذبيحته، ومما في يده؛ يريدون الطهارة والحلال. وقد قيل: إن {أزكى طعاما} أي: أفضل طعام. والقول الأول أحب إلينا. ومعنى: {فليتلطف} أرادوا: في استتار وانكتام عن الناس، حتى يأخذوا لهم حاجتهم، وينصرف بها إليهم. ثم
(١) قال في القاموس المحيط: «المُراوحَةُ بينَ العَمَلَيْنِ: أن يَعْمَلَ هذا مَرَّةً وهذا مَرَّةً. و بين الرِّجْلَيْنِ: أن يقومَ على كُلِّ مَرَّةً. و بين جَنْبَيهِ: أن يَنْقَلِبَ من جَنْبٍ إلى جَنْب.» إهـ.