قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}
  ثم رجع القصص إلى ما فعل الأولون، إذ يتنازعون بينهم، فقال ø: {إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}، والتنازع فهو: تنازع الكلام والمحاورة، والمجادلة في البنيان عليهم، فحجب الله ø أبصارهم عنهم، فلم يروهم. ثم: {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}: فكل هذا كان في كلامهم ومحاورتهم، وما ادرأوا في أمرهم.
  ثم قال سبحانه: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم}، وهذا الكلام فهو من قول أهل الكتابين، فكان كلما يتكلمون به في عددهم تخرصا، ورجما بالغيب. ومعنى: {بالغيب} فهو: في الغيب، يقول: الرجل(١) يتكلمون في ما لا يعلمون، وينطقون في ذلك بما لا يفقهون؛ إذ هو عنهم مغيب مستتر، لا يعلمه إلا الله كما قال سبحانه. والرجم فهو: قول ما لا يعلم، يقول للرجل إذا تكلم بما لا يعلم: أنت ترجم بالغيب.
  ثم قال ø: {قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل}، ومعنى: {ما يعلمهم إلا قليل} فهو: لا يعلم عدتهم إلا قليل من أهل عصرهم، ومن كان معهم في دهرهم، ممن نظر إليهم عند خروجهم من قريتهم. {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا}، فأمره سبحانه: ألا يمار فيهم إلا المراء الظاهر، والظاهر فهو: ما أعلمه الله به، وأظهره عليه في أمرهم؛ لأن كل متكلم تكلم بما لا يعلم - كان كلامه على غير صحة ولا بيان، رجما في المقال، ومخاطبة بالمحال؛ فنهاه الله عما عابه عليهم، وأمره بالمخاطبة الواضحة، والمقالة الصحيحة. ثم قال سبحانه: {ولا تستفت فيهم منهم أحدا}، فأمره ألا يستفتي فيهم منهم أحدا؛ فإنهم لا
(١) قال في القاموس المحيط: «والرِّجْلُ بالكسر: الطائِفَةُ من الشيءِ.» اهـ