تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}

صفحة 174 - الجزء 2

  يقول: «ظن» وإنما هو في بعض المخاطبة: «أيقن»؛ فكان ظنهم إيقانا. {أنهم مواقعوها}، ومواقعوها فهو: داخلوها، صائرون فيها، ومخالطون لها؛ والشاهد على ما قلنا به من الظن: قول الله ø في كتابه: {قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين}، فشهد لهم بالإيمان، وقال: {فظنوا}، وإنما هو: أيقنوا. ومعنى: {ولم يجدوا عنها مصرفا}: والمصرف فهو: المنحرف، والذهاب والفرار إلى غيرها؛ فلا يجدون إلى ذلك سبيلا، وكان عندما عاينوا العذاب كما قال الله ø: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب}⁣[سبأ: ٥١].

  ثم قال سبحانه: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل}، وكذلك الله سبحانه: قد ضرب لهم أمثالا؛ تنبيها لهم وتعريفا؛ ليذكروا. ثم قال سبحانه: {وكان الإنسان أكثر شيء جدلا}، والجدل فهو: المحاورة والكلام، والمخاصمة والمناظرة في ترديد الكلام، والمراجعة بالخطاب.

  ثم قال سبحانه: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا}؛ لما كانوا عليه من الجحود والتمرد، والإنكار للحق والمكابرة فيه، حتى ينزل بهم ما نزل بأولئك من صنوف النقم. ومعنى: {سنة الأولين} فهو: ما كان الله ينزل بهم عند صدودهم؛ وذلك


= قال الإمام القاسم بن إبراهيم #: «{فظن} قولٌ من الله في يونسَ قالَه، يُبَيِّنُ للسامعين زلَّةَ يونس وإغفالَه؛ يقول سبحانه: {فظن} يونسُ {أن لن نقدر عليه} في إِبَاقِهِ من الفلك إلى من أبق إليه؛ فهو ليس يَظُنُّ؛ ولكنه مُقِرٌّ موقِنٌ بقدرتنا عليه، ونفاذِ أمرِنَا فيه، فَمَا أبق إلى الفلك فارًّا هاربا، وذهب مع يقينه بقدرتنا عليه مُغَاضِباً، إلا لإغفالِه وزَلَّتِه، التي نَجَّاهُ الله منها بتوبته؛ فهذا وجه: {فظن أن لن نقدر عليه}.» وقال الإمام الهادي #: «قوله: {فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيهِ}، أراد بذلك من قوله: {فَظَنَّ} أي: أفَظَنَّ أن لن نقدر عليه؟! وهذا على معنى الاستفهام؛ ولم يكن ظَنَّ ذلك صلى الله عليه.»، فالآية دائرة بين: تشبيه التمثيل؛ ليبين حالته، كما فسر القاسم #، أو استفهام التعجب من فعله، كما فسر الهادي #، وفي جميع ذلك: لم يظن عدم القدرة؛ بل هو موقن بالقدرة. إذاً قد استُخْدِمَ الظنُّ في غير موضعه؛ تأمل.