قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}
  ثم قال سبحانه: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا ٧٤ قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ٧٥}، فكان موسى صلى الله عليه يرى من أفعال الخضر أشياء ينكرها، ولا يقف على ما أمر الله به فيها، فيخاطبه بها، ويعاتبه فيها، ولم يكن عنده معرفة أمرها على حقيقتها، فيكون منها على بصيرة، وكان العالم يفعل ما أمر الله، وما قد أطلعه عليه، وأمره به فيه، فعجل موسى صلى الله عليه بالمخاطبة والكلام والإنكار؛ لعظيم ما يرى فيها؛ إذ ليس عنده صحة من أمرها، ولا علم بحكم الله سبحانه فيها. ومعنى: {لقد جئت شيئا نكرا} فهو: لقد جئت شيئا قبيحا مستنكرا، {قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}. وقد قيل: إن الغلام كان صبيا صغيرا. وليس ذلك عندنا بصحيح؛ بل كان الغلام كبيرا بالغا، والعرب تسمي ابن العشرين والثلاثين سنة: غلاما.
  {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ٧٦ فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجد جدارا يريد أن ينقض فأقامه}، ومعنى: {ينقض} فهو: يسقط. ثم قال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا}، ومعنى {أجرا} فهو: أجرة وجعلا.
  {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل مالم تستطع عليه صبرا ٧٨ أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها}، إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ٨٢}، وهذا الآيات محكمات بينات، لا يحتجن إلى تفسير مفسر؛ لأن الله سبحانه قد بينهن وأوضحهن، وتلاوتهن وتفسيرهن واحد؛ وقد فسرنا منهن ما يحتاج إلى تفسير.
  ثم قال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلوا عليكم منه ذكرا}، وذو القرنين: فرجل من الروم، كان عبدا صالحا، واسمه: الإسكندر. وقد قيل: إنه سمي ذا القرنين؛ لأنه بلغ مطلع الشمس