قوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا}
  بعضه على بعض، حتى سد ما بين الجبلين، وبلغ بناؤه بالحديد رؤوس الصدفين. ثم قال: {قال انفخوا}، والنفخ عليه فهو: إلهاب النار فيه، ونفخهم عليه. {حتى إذا جعله نارا}، يقول: حتى إذا صار نارا تتوقد. {قال آتوني أفرغ عليه قطرا}، والقطر فهو: النحاس، ولما أن سكبوا النحاس فيه - انسبك هو والحديد معا، وصار الردم قطعة واحدة، لا يتزحزح من مكانه، ولا يطيق أحد طلوعه.
  ثم قال: {فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا}، ومعنى: {اسطاعوا}، أي: لم يقدروا أن يظهروا فيه؛ لعلوه وشموخه، واستواء أرضه، {وما استطاعوا له نقبا}، يقول: لم يستطيعوا أن ينقبوه؛ لعظمه وشدته.
  ثم قال: {هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكا وكان وعد ربي حقا}، يقول: إذا جاء وقت القيامة جعله الله دكا؛ والدك فهو: المهدوم المكسر الساقط؛ وخروجهم من ذلك السد من علامات الساعة والقيامة، وهو قوله سبحانه: {حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون ٩٦ واقترب الوعد الحق}[الأنبياء: ٩٦، ٩٧]. ومعنى قوله: {هذا رحمة من ربي} أي: فضل منه وإحسان عليكم في استقامة هذا الردم، ولولا فضل الله جل شأنه ما نلنا ذلك، ولا قدرنا عليه. وقد قيل: إن جماعة من يأجوج ومأجوج هربوا منه عندما أراد أن يسد عليهم، فبلغه ذلك، فأمر جماعة أن يتبعوهم ليردوهم عند نفرتهم، ولم يلحقوهم وأعجزوا عن الرد لهم، فقيل له: إنهم قد أعجزوا وذهبوا. فقال رحمة الله عليه: اتركوهم، اتركوهم. وهم هؤلاء الترك الذين يعرفون؛ فسموا بقوله: «اتركوهم»: الترك؛ اشتقوه لهم من الترك. ثم قال: {وكان وعد ربي حقا}، يقول: صدقا لا خلف فيه.
  {وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا}، ومعنى: {يموج في بعض} فهو: ما يكون عند فتح يأجوج ومأجوج، من الهرج والمروج، والفتن والعظائم. {ونفخ في الصور} فهو: نفخ في صور الآدميين