قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى 5}
  من قبل خلقه للأرض والسماء؛ فذلك العرش المحيط بالماء، لم يتغير عن حاله، ولم يزل هو المحيط بالماء، والمحيط من بعد الماء بالأرض والسماء؛ فذلك العرش إنما هو: مقام الله، ولا يجوز لنا أن نقول: هو مجلس الله، ولكنا نقول: هو مقام الله؛ وليس كمقام الانتصاب، إنما ذلك: كمال الله بنفسه؛ فهو الجليل الكامل بنفسه العظيم، الجبار ذو الشرف والبهاء والسناء العظيم؛ فهذا معنى قول الله ø: {وكان عرشه على الماء}: يخبر أنها لم تكن أرض ولا سماء سوى الماء.
  ونحن نقول: إنه قد كان عرش الله ولا ماء، ونقول: إن عرش الله لم يزل، وإن أسماء الله لم تزل، وإن صفات الله كلها ومدائحه لم تزل؛ لأن الله يقول في كتابه: {الرحمن على العرش استوى}، ولا يجوز لنا أن نقول: لم يكن مستويا على عرش ثم استوى؛ إذن لقلنا بخلاف قوله ø؛ بل نقول: إن الله لم يزل ذا عرش عظيم، يريد بذلك العرش العظيم: الله العظيم. وقلنا له: ليس ثم عرش لله ø، وإنما ذكر العرش فعرفنا به الملك، ولم يصفه بصفة معلومة معروفة.
  وأما قوله في يوم القيامة: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى}[النازعات: ٤٠] فذلك المقام هو: ذلك العرش، وذلك العرش هو: الله العلي، لا شيء استعلى، إنما هو العلي بنفسه.
  تم، والحمد لله وحده، وصلواته على رسوله، سيدنا محمد النبي، وعلى آله وسلم تسليما.
  وقال في كتاب التبصرة للإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني #:
  فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: {الرحمن على العرش استوى}؟
  قيل له: معنى الاستواء: هو الاستيلاء والغلبة، وذلك مشهور في اللغة، والعرش قد يراد به: الملك، وذلك مما لا يختلف فيه أهل اللغة.