تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم 35}

صفحة 290 - الجزء 2

  لرشده فهو لأمر الله كله فيه متبع، لا يسوغ لأحد عند الله من خلافه سائغ، ولا يزيغ عن حكم من أحكام الله فيه إلا زائغ، يزيغ الله قلبه بزيغه عنه، ويفارق من الهدى بقدر ما فارق منه، كما قال علام الغيوب، وخلاق ما ضل واهتدى من القلوب: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين}⁣[الصف: ٥].

  وقال في مجموع كتب ورسائل الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم #، بعد ذكر الآية ما لفظه:

  هذا مثل ضرب به قلوب أهل المعرفة، وهو مثل نور أهل العلم الذي قد عرفه الله قلوبهم وأينت⁣(⁣١) به، فيضيء بذلك سائر بدنه؛ فتظهر الطاعة والخشية لربه على سائر جوارحه، فمثله كمثل السراج في البيت، في مشكاة، في زجاجة؛ فمثله - وهو: القنديل المعلق بالسلسلة، كما قال مجاهد: المشكاة: حدائد القنديل التي تعلق بها. وقال ابن عباس: المشكاة: الكوة التي يوضع فيها القنديل في الخشبة -، ومثل الدهن في صفائه، الذي لا تقوم النار إلا به؛ لكثرته وجودته وصفائه، ولا يبين لها ضوء إلا باجتماع ذلك - مثل النية التي لا تصح جميع الأعمال إلا فيها⁣(⁣٢)، ونورها عند الله على قدر شدة العزم وضعفه؛ فهذا مثل نور الإرادة مثل نور المصباح. ومثل نور الهمة مثل الزجاجة؛ لصفائها، ومثل نور النية - وهو: مدى العلم الذي يكون به الاعتقاد - مثل نور الزيت ومدده، في صفائه؛ قال الله جل ثناؤه: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ٣٥}؛ فهذا ذكر لثلاثة الأبواب التي ضربها الله لعباده في كتابه، لقلوب المؤمنين في صفائها.


(١) قال في القاموس المحيط وشرحه تاج العروس للزبيدي: (الأَوْنُ: الدَّعَةُ والسَّكينَةُ والرِّفْقُ)، يقالُ: «أُنْتُ بالشيءِ أَوْناً، وأُنْتُ عَلَيْهِ»، كِلاهُما: رَفَقْتُ. اهـ

(٢) هكذا في المنقول منه، ولعله: بها.