تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم}

صفحة 354 - الجزء 2

  صلى الله عليه وآله، وتظاهروا عليه، ومالئوا عدوه، فلما حاصرهم صلى الله عليه وآله، وحاربهم - أذلهم الله، وأنزلهم - كما قال - من صياصيهم - وهو: الإذلال⁣(⁣١) لهم والإرغام والقهر - غير طائعين، فكان إنزاله لهم من عزهم إرغاما، وإنما اشتقت الصياصي من النواصي؛ لأنه إذا أخذ بناصية الإنسان فقد بلغ ذله، وكذلك هؤلاء: هدم عزهم، وأذل خدودهم بالقهر لهم، فأذهب بذلك نخوتهم، وفرق أمرهم. وقد قيل: إن الصياصي: الحصون التي أخرجوا منها، وكانوا فيها. وليس هذا بمخرجها، ولا يجوز في اللغة؛ لأنه لو كان اسم الحصون صياصيا - لجاز أن يقال في الحصن الواحد: «صيصيا»، ولو قال ذلك قائل لخرج من المعنى، فلما لم يجر على ذلك صح أنها ليست الحصون، والمعنى الأول أصوب وأحسن في التأويل؛ والدليل على أن الصياصي مشتقة من النواصي: أن العرب تسمى قرون الأوعال والبقر: صياصي، وقد قال بعض العرب: يسمى شوامخ الجبال «صياصي»؛ لعلوها وامتناعها، وقد قال الشاعر:

  وهم ستة شمخ الصياصي كأنها ... مجللة حق عليها البراقع⁣(⁣٢)


(١) أي: كناية عن الإذلال ... ؛ إذ سيأتي له # ما يفيد به أنه: العلوُّ.

(٢) الذي في كتاب الأغاني للأصفهاني (١٨/ ٥٥) (ط: دار الفكر) بلفظ:

ومَوْشِيَّةٌ سُحْمُ الصّياصِي كأنَّهَا ... مُجَلَّلةٌ حُوٌّ عليها البراقعُ

وقال بعد ذلك:

والموشية يعني: البقر، والصياصي: القرون، واحدتها: صيصية، والمجللة: التي كأن عليها جلالا سودا، والحوة: حمرةٌ في سواد.