قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  ذلك ممسكون، وإلى الهدوء والراحة مائلون، وعن النشاط والقوة بكرى النوم رائكون، ومن اتعابنا ولغوب دوابنا في نهارنا مستريحون، وعن الإبصار كما كنا نبصر به نهارا ممنوعون، لا نملك لشيء من هذا كله عن أنفسنا دفعا، ولا نستطيع ردا ولا منعا؛ دلالة من الله سبحانه على أنه هو المصرف لنا في جميع أحوالنا، وعلى عجزنا من الامتناع في تدبيره بنا، ونظرا منه تبارك وتعالى لنا، فنكون مسبوتين نياما في ليلنا، حتى إذا بلغ الليل ما أراد سبحانه أن يبلغه من الميقات، في سراه ومسيره إلى غاية ما قدر الله عليه من الساعات - ظهر الفجر ساطعا، وأقبل النهار طالعا، فكلما انسلخ منه النهار مدبرا، ومضى بين يديه فتحرك حينئذ جميع الحيوان الذي هدأ في ليله وسكن - لما يريدون من المعاش والشأن، قد حمو من التعب واللغب براحة الأبدان، ففي هذا من مر الليل والنهار وغيره آيات عظام، وفضل من الله على خلقه وحسن نظر وإنعام. ثم أخبر تقدس اسمه وجل أمره: عما تولى للخلق من النعيم في جري الشمس، لما في جريها من صلاح الدنيا وحياة كل من في الأرض من ذي نفس، وإذ بالشمس وضوءها تبصر العيون، وينتشر الناس وينحون، ويذهبون ويعملون في صناعاتهم وأرفاقهم ما يعملون، وبجريها يكون كثير من صلاح أبدانهم، وعامة معاشهم، وعمارة بلدانهم، وعلم عدد سنينهم وشهورهم، وما يصلح الله بها من زرعهم وثمارهم، وما يكثر عن أن نحصيه؛ لصغرنا عن علمه، وذكر سبحانه: أن الشمس في عظمها، وما هي عليه من عجيب أمرها، في دورها وجريها - إنما تجري لمستقر لها، ومستقرها - والله أعلم -: يوم القيامة؛ ففكر يا هذا وافهم.
  ثم ذكر سبحانه النعمة على خلقه، بالقمر وما قدره له من المنازل إلى وقت محاقه، فذكر تعالى نعمة عظيمة من عظائم نعمه، لما قدره بالقمر من صلاح كثير من معايش الناس وتمامه؛ إذ بالقمر تعرف الشهور والأيام، وهو في الليل سراج لجميع الدنيا، فيبين في الظلمة للناظرين، ويضيء لمن سافر من المسافرين، وبه