قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}
  وبطلوعه وغروبه قدر الله مدد البحار وغزرها، وزاد بزيادته في أول الشهور مياه الأرض فأصلح أشجارها، وأربى بطلوعه خضرها وثمارها، وما فيه من الآيات والعبر، فيكثر عن أن نحيط به علما، وحسبك ما فهمك الله منه في كتابه إن كنت فهما؛ وما ذكر الله من تقديره له منازل: فقد يراه كل ذي عين في كل ليلة مثالا زائدا، النور في أوله عند نزوله منازله، وهي ثمانية وعشرون منزلة من النجوم، حتى إذا بلغ أربعة عشر منها نقص نوره في كل ليلة عند نزول كل منزلة ممتحقا، حتى يعود بدقته في العيون دقيقا، كما قال سبحانه: {كالعرجون القديم}، والعرجون فهو: العود الذي يخرج من قلب النخلة حاملا في شماريخه لثمره، وهو أعوج مقوس منحنيا، يشبه ما للقمر في آخر الشهر من الانحناء والدقة، وهو إذ كان قديما أدق منظرة.
  ثم ذكر سبحانه أعجوبة أخرى، يدل بها على سرعة سير القمر إذا جرى، فقال: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار}، والقمر فمن أسرع النجوم كلها جريا، وهو يقطع الفلك في كل شهر من أوله إلى آخره دورا، والشمس تجري في الفلك إلى أن تقطعه عاما، وأن الليل غير سابق النهار؛ إذ هما جميعا في الزيادة والنقصان على مثال ومقدار، فقال: {كل في فلك يسبحون}، وإنما يعني بسباحتهم في الفلك - والله أعلم -: أنهم فيه يجرون ويدورون.
  ثم قال لا إله إلا هو، لبعض نعمه على الناس ذاكرا، لحملهم في الفلك ولهم على شكرهم فيها منبها وعنها مخبرا، ولعجيب آياته فيهم معرفا، لذلك تعالى وجل واصفا: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ٤١ وخلقنا لهم من مثله ما يركبون ٤٢ وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون ٤٣ إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين ٤٤}، وكذلك الله الذي حمل البشر في الفلك والبحر، وعلى مثل ذلك من الدواب الحاملة لهم في البر، وقد قيل في الخبر: إن الذي مثل بالفلك هي الإبل، وقد تسميها العرب سفن البر، ولشبهها بها ما