تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون 82}

صفحة 409 - الجزء 2

  لله - وأوجه. ثم قال عند ذكر الفلك المشحون، فدل بقوله: {المشحون} على التذكير بالنعمة في حمل ما يحملون من معايشهم وأمتعتهم وتجاراتهم، والفلك عند شحنها أعظم ما يكون خطرا، وأخوف ما يكون أهلها للغرق عليها خوفا، إذا كانت الشاحن أقرب إلى العطب؛ لثقلها ورسوخها في الماء.

  ثم قال سبحانه عند هذا الذكر بعينه، ما تولى من سلامتهم مذكرا: {وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم}، يعني: لا مغيث في لجج البحار وأمواجها، يصرخهم ويغيثهم عند غرقهم؛ لهيجان موجها وارتجاجها، يقول الله الرؤوف الرحيم، بخلقه الكريم: {إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين}، يعني: أن سلامتهم لم تكن وإن كانت الفلك قد وصلوها وأتقنوا من بنائها وجعلوها كما جعلوها، إلا بحملان من الذي ذكر، والحملان هاهنا المذكور ليس هو إقلال عيدان الفلك وألواحها وحده؛ ولكنه تسليم الله وحمله بالسلامة في هول البحار عبيده، إذا عظم ما رأى ونظر من عظيم الفلك والسفن الكبار، مع عظيم البحر وكبره وعتو أمواجه كالذباب الصغير الطائر، الذي يمر طائرا حقيرا في سعة الصحارى والقفار؛ فبرحمة الله القدوس جل وتعالى نجوا، وبحملانه لهم بالخروج من البحر ظفروا، وإلى حين ما موقوت من آجالهم ما امتنعوا بالحياة⁣(⁣١) وأخرجوا؛ لقول الله سبحانه بعد ذكرها ما ذكر به العباد، من هذه النعم وهو يخوفهم - لا إله إلا هو - العقوبة فيما خلفهم من الذنوب، ومحذرا لما بين أيديهم إن لم يتقوه من الخطايا والحوب: {وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون}، يعني سبحانه: فلا تعاقبون إذا تبتم واتقيتم، إذا جزتم من ماضي الذنوب، فخلفتم وراءكم إذا تبتم. {وما بين أيديكم}: فالاتقاء للذنوب فيما يستقبلون، التي ترديهم. {وما خلفكم} فهو: ما مضى في الخطايا وفات منهم؛ والتوبة التي


(١) لعل الكلام: وإلى حينٍ ما موقوتٍ من آجالهم تمتعوا بالحياة وأخرجوا.