باب القول في الجلوس في المسجد مع الفاقة
  أبا الحسن، مالك لا تقول: لا، فأنصرف عنك، أو تقول: نعم، فأمضي معك؟».
  قال: (حباً، وتكرماً، بلى يا رسول الله، اذهب بنا). فأخذ رسول الله ÷ بيد علي فانطلقا حتى دخلا على فاطمة في مصلاها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة يفور دخانها. فلما سمعت كلام النبي ÷ في رحلها، خرجت من مصلاها فسلمت عليه، وكانت من أعز الناس عليه، فرد السلام، ومس بيده على رأسها، وقال: «يا بنية، كيف أمسيت؟ - رحمك الله - عشينا غفر الله لك، وقد فعل».
  فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله ÷، وبين يدي علي بن أبي طالب ¥، فلما نظر إلى لون الطعام، وشم ريحه، رمى فاطمة ببصره رمياً شحيحاً.
  فقالت فاطمة: سبحان الله! يا أبا الحسن ما أشح نظرك وأشده، هل أذنبت فما بيني وبينك ذنباً أستوجب السخطة؟ فقال: (وأي ذنب أعظم من ذنب أصبتيه، أليس عهدي بك اليوم الماضي تحلفين بالله مجتهدة ما طعمت طعاماً منذ يومين؟) قال: فنظرت فاطمة إلى السماء، فقالت: إلهي يعلم ما في سمائه، ويعلم ما في أرضه أني لم أقل إلا حقاً، فقال: (يا فاطمة، أنّى لك هذه الطعمة التي لم أنظر إلى مثل لونه قط، ولم أشم مثل ريحه قط، ولم آكل مثله قط؟)، قال: فوضع رسول الله ÷ كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي فغمزها، ثم قال: «يا علي، هذا بدل دينارك، هذا جزاءٌ بدينارك، هذا من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب».
  ثم استعبر النبي ÷ باكياً.
  ثم قال: «الحمد لله الذي أبى لكما أن يخرجكما من الدنيا حتى يجريك يا علي في المثال الذي جرى فيه زكريا، ويجريك يا فاطمة في مثل الذي جرت فيه مريم ابنة عمران، كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا». انتهى.
  رجال هذا الإسناد من ثقات محدثي الشيعة الأخيار، وسيأتي الكلام على من لم نتكلم عليه في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى.