باب القول في الوصية عند حضور الموت
  رسول الله ÷ لا تؤذيه) فتنحت، وجلست ناحية تسترجع، وتدعو، ودنت عائشة فقالت: يا رسول الله، بأبي وأمي أنت، انظر إلي نظرة، وكلمني كلمة واحدة، وأوصني بأمرك، فإني أراه آخر العهد منك ومن كلامك.
  ففتح عينيه فلما نظر إليها قال: «ادني مني»، فدنت منه، فقال لها: «قد أوصيتك قبل اليوم فاحفظي وصيتي، واحفظي أمري لك في لزوم بيتك، فلا تبدلي، يا عائشة تأخري عني».
  قال: ثم دنت منه حفصة فقالت: بأبي وأمي أنت، اجعل لي نصيباً من كلامك، ولا تجعلني من أهون نسائك عليك، وأكرمني بكلمة تطيب بها نفسي طول حياتي، ففتح رسول الله ÷ عينيه، ونظر إليها، وقال: «يا حفصة»، قالت: لبيك يا رسول الله، فقال لها: «قد أوصيتك قبل اليوم، فاحفظي وصيتي، ولا تبدلي أمري، واحفظي أمري لك في لزوم بيتك، قومي عني»، وكلم نساءه امرأة امرأة مثل ما كلمها، ثم إن فاطمة & جاءت بالحسن والحسين @، وقالت لهما: ادنوا من جدكما فسلما عليه، فدنوا منه، وقالا: يا جداه، ثلاثاً، ثم بكيا، وقال له الحسن: ألا تكلمنا بكلمة، وتنظر إلينا نظرة، فبكى علي والفضل، وجميع من في البيت من النساء، فارتفعت أصواتهم بالبكاء، ففتح رسول الله ÷ عينيه، وقال: «ما هذا الصوت؟» فقالت فاطمة: يا رسول الله، هذان ابناك الحسن والحسين، كلماك فلم تجبهما فبكيا، وبكى من في البيت لبكائهما، فقال رسول الله ÷: «ادنوا مني»، فدنا منه الحسن، فضمه إليه، وقبله، ودنا منه الحسين، ففعل به مثل ذلك، فبكيا، ورفعا أصواتهما بالبكاء، فزجرهما علي #، وقال: (لا ترفعا أصواتكما)، فقال له رسول الله ÷: «مه يا علي»، ثم قال: «اللهم إني أستودعكهما، وجميع المؤمنين من أمتي».
  وغمض رسول الله ÷ عينيه، فلم يدع علي # أحداً يدنو منه.
  فلما ارتفع النهار من يوم الاثنين، شخص رسول الله ببصره [فقال: اللهم