باب القول في حد الزاني
  · وفي الأحكام أيضاً: قال يحيى بن الحسين ~: ولم يزل الرجم منذ(١) زمان موسى رسول الله صلى الله عليه، وقبله حتى ابتعث الله نبيئه، فأمره جبريل به كما أمره بغيره مما جاء به النبي ÷ عن ربه من الفروع التي ذكر أصلها في الكتاب المبين، ومن الدليل على أن الرجم حكم من الله قديم على(٢) المحصنين ما أخبر الله به نبيئه عن اليهود وتبديلها له، وطرحها إياه من التوراة، وتحريفها لحكم الله، وذلك قوله سبحانه: {وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْۛ سَمَّٰعُونَ لِلۡكَذِبِ سَمَّٰعُونَ لِقَوۡمٍ ءَاخَرِينَ لَمۡ يَأۡتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ مِنۢ بَعۡدِ مَوَاضِعِهِۦۖ}[المائدة: ٤١]، يريد: يحرفون ما في التوراة من حكم الرجم.
  وهذه الآية نزلت فيما كان من أمر بسرة اليهودية، وذلك أن الله ø أنزل على موسى بن عمران الرجم في الزاني المحصن، فغيرت ذلك اليهود فجعلوه الجلد: أن يجلد أربعين جلدة بحبل مقيّر، ويسودون وجهه، ويحملونه على حمار، ويجعلون وجهه إلى ذَنَبِ الحمار، فلم يزالوا على ذلك حتى هاجر النبي ÷ إلى المدينة، فزنت امرأة من اليهود يقال لها بسرة برجل من اليهود، فأراد اليهود جلدها(٣)، ثم خافوا من النبي ÷ أن يفضحهم لما غيروا من علم التوراة، فقال الأحبار للسفلة منهم: انطلقوا إلى محمد فاسألوه عن حد الزاني، فإن قال: اجلدوا، فاقبلوا ذلك منه، وإن أمركم بالرجم له فأنكروا ذلك ولا تقبلوه، ولا تقروا به، فأتوا النبي ÷ فسألوه فقال: «الرجم إن كان محصناً»، فقالوا: إن موسى أمر أن يجلد إن كان محصناً، فقال لهم النبي ÷: «كذبتم، بل أمركم بالرجم، ورجم» فقالوا: كلا، فقال: «اجعلوا بيني وبينكم حكماً»،
(١) في الأصل: في زمان. والمثبت من الأحكام المطبوع.
(٢) في الأصل: عن. وما أثبتناه من الأحكام المطبوع.
(٣) في الأصل: جلده. وما أثبتناه من الأحكام المطبوع.