باب القول في صيد الكلاب والجوارح
  الكلب المعلم: فهو قتله له، يؤكل ما قتل، وإن أكله إلا أقله، ولا أعلم فيما أجبتك به في هذا اختلافاً بين أحد من الناس، إلا ما ذكر فيه من خلاف عن ابن عباس، فإنه ذكر عنه أنه كان يقول: لا يؤكل ما أكل الكلب المعلم من صيده؛ فإنه إنما أمسك الصيد إذا أكله على نفسه لا على مرسله، وظننت أن ابن عباس تأول في ذلك قول الله جل ثناؤه: {فَكُلُواْ مِمَّآ أَمۡسَكۡنَ عَلَيۡكُمۡ}[المائدة: ٤]، فكان عند ابن عباس أكله له غير إمساك منه على من أرسله، وهو عندي فقد يمسك بالقتل أكثر الإمساك.
  والمذكور المشهور: أن عدي بن حاتم وأبا ثعلبة الخشني سألا رسول الله ÷: عن أكل الكلب المعلم يأكل من صيده؟ فأمرهما بأكل فضله.
  وقال أصحاب رسول الله ÷ كلهم إلا ابن عباس وحده من بينهم -: يؤكل فضل الكلب المعلم، وإن لم يبق من الصيد إلا بضعة من اللحم.
  فأما ما قتل الصقر أو(١) الباز فأعجب ما قيل فيه من القول إلي أنه ليس بذكي؛ لأن الله سبحانه قال: {مُكَلِّبِينَ}[المائدة: ٤]، ولم يقل: ما علمتم مصقرين، والكلب فهو المغرى، وإكلاب الكلب فهو الإغراء، ولا يكون ذلك من المغرى من الكلاب(٢) إلا إشلاءً(٣) وأمراً، والصقر لا يؤمر، ولا يشلى، ولا يغرى، فإن كانت حالة الفهود كحالها لا تشلى ولا تؤمر، فلا يحل أكل فضول أكلها، وإن كانت تؤمر وتشلى فتأتمر فهي كالكلب، يؤكل ما أفضلت، وذكي ما قتلت، وبهذا - فيما بلغني - كان يقول علي #، وابن عباس، (وابن عمر)، وذكر أن طاووساً كان يقول: ليس الصقور، ولا الفهود، ولا النمور من الجوارح التي أحل الله جل ثناؤه أكل ما أكلت من صيدها.
(١) في الأصل: والباز. والزيادة من الأحكام المطبوع.
(٢) لفظ الأحكام المطبوع: ولا يكون ذلك من المغري للكلاب ... إلخ.
(٣) أشليت الكلب: دعوته. (مختار الصحاح).