الباب الأول في ذكر بعض مناقب الإمام علي بن أبي طالب # وفضائله
  أزعجني من رحلي إلا الجهد، ولقد تركت عيالي يتضاغون جوعاً، فلما سمعت العيال لم تحملني الأرض، فخرجت مهموماً راكباً رأسي، فهذه حالي، فهملت عينا علي باكياً حتى بلّت دموعه لحيته، فقال: (أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني من رحلي غير الذي أزعجك من رحلك، ولقد اقترضت ديناراً فهاكه، فقد آثرتك به على نفسي) فدفع إليه الدينار، ثم رجع حتى دخل مسجد رسول الله ÷، وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب، فلما قضى رسول الله ÷ صلاة المغرب مرّ بعلي في الصف الأول، فغمزه برجله، فقام علي متبعاً حتى لحقه على باب من أبواب المسجد، فسلّم فرد رسول الله ÷ السلام فقال: «يا أبا الحسن، هل عندك شيء تعشّينا به فنميل معك؟» فمكث مطرقاً لا يحيل جواباً حياءً من رسول الله ÷، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار، ومن أين أخذه، وأين وجّهه ÷، وقد كان أوحى الله إلى نبيئه أن يتعشّى تلك الليلة عند علي، فلما نظر رسول الله ÷ إلى سكوته قال: «يا أبا الحسن، ما لك لا تقول: لا، فأنصرف عنك، أو تقول: نعم، فأمضي معك»، قال: (حباً وتكرماً، بلى يا رسول الله اذهب بنا)، فأخذ رسول الله ÷ بيد علي، فانطلقا حتى دخلا على فاطمة في مصلّاها قد قضت صلاتها، وخلفها جفنة يفور دخانها، فلما سمعت كلام النبي ÷ في رحلها خرجت من مصلاها فسلّمت عليه، وكانت من أعزّ الناس عليه، فرد السلام ومسّ بيده على رأسها وقال: «يا بنية، كيف أمسيت رحمك الله؟ عشينا غفر الله لك، وقد فعل»، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي