باب القول في الوصية عند حضور الموت
  & عند ذلك، ونساء النبي ÷ ينظرن إليها حين بكت وتبسمت، فقال بعضهن: ما شأنك يا فاطمة تبكين مرة، وتبسمين مرة؟ فقال النبي ÷: «دعن ابنتي».
  فلما مضى النصف من صفر سنة إحدى عشرة، جعل النبي ÷ يجد الوجع، والثقل في جسده حتى اشتد به الوجع في أول شهر ربيع الأول، واجتمع إليه أهل بيته ونساؤه، فلما رأت فاطمة أباها قد ثقل دعت الحسن والحسين فجلسا معها إلى رسول الله ÷، ووضعت خدها على خد رسول الله ÷، [وجعلت تبكي حتى اخضلت لحيته ووجهه بدموعها، فأفاق ÷](١) وقد كان أغمي عليه فقال لها: «يا بنية، لقد شققت على أبيك»، ثم نظر إلى الحسن والحسين @ فاستعبر بالبكاء، وقال: «اللهم إني أستودعكهم، وصالح المؤمنين، اللهم إن هؤلاء ذريتي أستودعكهم وكل مؤمن».
  ثم عاد الثالثة، ووضع رأسه، فقالت فاطمة: وا كرباه لكربك يا أبتاه، فقال لها ÷: «لا كرب على أبيك بعد اليوم(٢)».
  ثم أمر أن يصب عليه سبع قرب ماء من سبع آبار، ففُعِل به، فوجد خفة، فخرج فصلى بالناس، ثم قام يريد المنبر، وعلي والفضل بن العباس قد احتضناه حتى جلس على المنبر، فخطبهم واستغفر للشهداء، ثم أوصى بالأنصار، وقال: «إنهم لا يرتدون على منهاجنا، ولا آمن منكم يا معشر المهاجرين الارتداد»، ثم رفع صوته حتى سمع جميع من في المسجد ووراءه [وهو](٣) يقول: «يا أيها الناس، سعرت النار، وأقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، إنكم والله لا تتعلقون عليّ غداً بشيء، ألا وإني قد تركت الثقلين، فمن اعتصم بهما فقد نجا، ومن
(١) زيادة من المصابيح.
(٢) الموت. نسخة. (من هامش الأصل).
(٣) زيادة من المصابيح.