باب القول في فضل الحج
  وقال سبحانه: {وَأَتِمُّواْ ٱلۡحَجَّ وَٱلۡعُمۡرَةَ لِلَّهِۚ}[البقرة: ١٦٧]، يقول تبارك وتعالى: قوموا بما افترض عليكم منه، وأدوا ما دخلتم فيه منهما، وقوموا بما افترض الله على من دخل فيهما من جميع مناسكهما، وفي ذلك ما قال الله تبارك وتعالى لنبيه إبراهيم الأواه الحليم: {وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٧}[الحج]، فأمره صلى الله عليه ربُّه جل ذكره بالحج [له] إلى بيته الحرام، فحج كما أمره الله، كما حج أبوه آدم صلى الله عليهما، فحج إبراهيم # بأهله والمؤمنين، حتى انتهى إلى بيت رب العالمين، فأمره الله سبحانه بالأذان بالحج، فأذن ودعا إلى الله فأسمع، فأجابه إلى ذلك من آمن بالله، واتبع أمره، واجتمعوا إلى إبراهيم صلى الله عليه فخرج بمن معه متوجهاً إلى منى، فيقال: إن إبليس اعترض له عند جمرة العقبة فرماه بسبعة أحجار، يكبر مع كل حجر تكبيرة، ثم اعترض له عند الجمرة الثانية ففعل به ما فعل عند الجمرة الأولى، ثم اعترض له عند الجمرة الثالثة فرماه كما رماه عند الثانية، فأيس من إجابته له، وقبوله لقوله فيقال: إنه صده، وضلله عن طريق عرفه، فأتا صلى الله عليه ذا المجاز فوقف به، فلم يعرفه، إذ لم يرَ فيه من النعت ما نعت له فسار عنه وتركه، فسمي ذلك المكان - لمجاز إبراهيم به - ذا المجاز، فلما أتى إبراهيم صلى الله عليه الموضع الذي أمر بإتيانه عرفه بما فيه من العلامات التي نعتت له، فقال ÷: قد عرفت هذا المكان، فسمي عرفات، فنزل بها حتى صلى الظهر والعصر معاً، ثم وقف بالناس، وجعل إسماعيل ~ إماماً، فوقف مستقبلاً للبيت حتى غربت الشمس، ثم دفع بالناس، فصلى المغرب والعشاء الآخرة بالمزدلفة، ويقال والله أعلم: إنها سميت مزدلفة لازدلاف الناس منها إلى منى، وإنما سمي موضعها جمعاً، لأنه جمع بين الصلاتين بها.
  ثم نهض صلى الله عليه حين طلع الفجر، فوقف على الضَّرِِب الذي يقال له: قزح، ووقف الناس حوله، وهو المشعر الحرام الذي أمر الله بذكره عنده.