قوله تعالى: {وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا}
  وأما إذا خلا عما ذكرنا فكان لا يوهم بالرضى، ولا يفتتن، ولا ينكر، فاختلف العلماء في ذلك.
  قال الحاكم: فمنهم من أوجب الميل لظاهر الآية.
  قال الحاكم: وروي أن قوما أخذوا على شراب فضربوا الحد وفيهم صائم، فقيل لعمر بن عبد العزيز: إن هذا صائم فتلا قوله تعالى: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ}[النساء: ١٤٠]
  وهذا أيضا ظاهر الحديث: «لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو ينتقل».
  قال الحاكم: ويحتمل أن وجوب المفارقة خاص في المستهزئ، لعظم ذلك ويحتمل أن يكون عاما في كل منكر، وقد قال ابن عباس ما تقدم: إنه يدخل في هذا كل محدث في الدين.
  وقال أبو علي، وأبو هاشم: إذا أنكره بقلبه لم يجب عليه أكثر من ذلك، وجاز له القعود، يعني مع عجزه عن الإنكار باليد أو اللسان، وعدم تأثير ذلك.
  قال الحاكم: وقد قيل: إن النهي عن القعود معهم إذا أمكنه النكير ولم ينكر، وقيل: كان القعود محرما، وعند نزول الآية كان لا يحل للمسلمين أن يقعدوا معهم إذا استهزءوا، فنسخ بقوله تعالى في سورة الأنعام: {وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٦٩] وهذا مروي عن ابن عباس.
  وقال قاضي القضاة وغيره: لا نسخ في الآية.
  قال القاضي، والحاكم: أما لو كان له حق في تلك البقعة فله ألا يفارق كمن يحضر الجنائز مع النوح، أو الولائم فيسمع المنكر فيسعه أن يقعد، والنكير على قدر الإمكان واجب عليه.