قوله تعالى: {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون}
  قوله تعالى: {وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ}[الحديد: ٢٧]
  المعنى: جعلنا. قيل: ومعنى {جَعَلْنا} أي: أمرناهم ورعيناهم في الرحمة والرأفة فيما بينهم والرأفة وهي أشد الرحمة.
  وقيل: معنى {جَعَلْنا} أي لطفنا.
  وقيل: معناه: أخبرنا كما يقال: عدل الحاكم الشهود، أي أخبر بعد التهم.
  وقوله: {وَرَهْبانِيَّةً} الرهبانية: ترهبهم في الجبال فارين من الفتنة في الدين، مخلصين أنفسهم للعبادة، وذلك أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد موت عيسى # فقاتلوهم ثلاث مرات فقتلوا حتى لم يبق منهم إلا القليل فخافوا أن يفتنوا في دينهم فاختاروا الرهبانية، والرهبان الخائف، مشتق من رهب، هكذا ذكره جار الله.
  وقال: وقرئ رهبانية - بالضم - نسبة إلى الرهبان جمع راهب، واختلفوا في متعلق قوله: {وَرَهْبانِيَّةً} فقيل: هي معطوفة على قوله: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً} والمعنى: جعلنا في قلوب الذين اتبعوه، هذه الأشياء الثلاثة، لكنه بين الرهبانية أن صفتها أنها مبتدعة من عند أنفسهم، والمعنى: وقفناهم للتراحم، ولابتداع الرهبانية وما كتبناها عليهم إلا ليبتغوا رضوان الله، ويستحقوا بها الثواب، ويكون تعالى هو الملزم لهم والموجب عليهم، ليتخلصوا من الفتن، ويكون سبيل ذلك سبيل وجوب الهجرة من دار الكفار والابتداع، كونهم أول من ترهب، والوجوب من الله تعالى، فتكون الرهبانية المذكورة والابتداع لها مدح، والمعنى فما رعوا