قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}
  وقوله تعالى: {كَما هَداكُمْ} قيل: (ما) مصدرية، أي: اذكروه ذكرا حسنا كما هداكم هداية حسنة لدينه ومناسك حجه.
  وقيل: هي كافة، أي: كما علمكم كيف تذكرونه.
  وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ} أي: من قبل الهدى، وقيل: من قبل محمد ÷، وإن لم يتقدم ذكره.
  قال في الثعلبي: والمعنى: وما كنتم من قبله إلا من الضالين، كقوله تعالى: {وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ}[الشعراء: ١٨٦] يعني: ما نظنك إلا من الكاذبين. قال الشاعر:
  ثكلتك أمك إن قتلت لمسلما ... وجبت عليك عقوبة الرحمن(١)
  أي: ما قتلت إلا مسلما. وفي الكشاف، والتهذيب: (إن) هنا هي المخففة من الثقيلة(٢). وعن الكسائي، والكوفيين أنها نافية.
  قوله تعالى: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[البقرة: ١٩٩].
  هذا أمر بالإفاضة، وقد اختلف: هل أراد تعالى بها الإفاضة من عرفات، أو من المزدلفة؟ فقال كثير من المفسرين: أراد الإفاضة من عرفات، وأن ذلك إشارة إلى ما كان عليه الحمس، وهم قريش وحلفاؤها من الترفع على الناس، والتعالي عليهم أن لا يساووهم في الموقف، ويقولون: نحن أهل الله، وقطان حرمه لا نخرج منه، فيقفون بجمع، وسائر الناس بعرفات، ويقول بعضهم لبعض: لا تعظموا إلا الحرم؛ لأنه
(١) ويروى (حلت عليك عقوبة المتعمد).
(٢) بدليل دخول اللام عليها.