وقوله تعالى: {ذلك تخفيف من ربكم ورحمة}
  وقيل: المراد بالعفو: أن يبذل الدية، وإن لم يجب عليه، كقوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ}[الأعراف: ١٩٩] فهذا حكم من أحكام الآية.
  وقوله تعالى: {ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} أي: الحكم المذكور من العفو، وأخذ الدية؛ لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة، وحرم العفو، وأخذ الدية، وعلى أهل الإنجيل: العفو، وحرم القصاص، وأخذ الدية(١)، وخيرت هذه الأمة بين القصاص والدية، والعفو توسعة عليهم.
  وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: بعد ذلك التخفيف من قتل غير القاتل، أو قتل القاتل بعد أخذ الدية، كما كان الولي في الجاهلية يؤمن القاتل بأخذ الدية، فإذا ظفر به قتله {فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ} أي: شديد في الآخرة.
  وعن قتادة: العذاب الأليم أن يقتل بكل حال، ولا تقبل منه دية، لقوله ÷: «لا أعافي أحدا قتل بعد أخذ الدية»(٢) وهذا مروي عن الحسن، وسعيد بن جبير، والأول: قول أكثر المفسرين، وصححه الحاكم؛ لأنه المفهوم من إطلاق الآية.
(١) (وأخذ الدية) معطوف على القصاص، كما في الحاكم، والكشاف ومعناه أنه حرم عليهم القصاص وأخذ الدية، وفيه إشكال هنا، لأنه سيأتي في تفسير قوله تعالى في المائدة: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية أنه كتب على أهل الإنجيل أخذ الدية، وهو يخالف هذا، كما ترى، وكذا في النيسابوري في هذه الآية أعني آية البقرة، أنه كتب على أهل الانجيل أخذ الدية، فيمكن أن يكون تقدير الكلام هنا، وعلى أهل الانجيل العفو، وأخذ الدية، ويحرم القصاص.
ولفظ الفصول (وكان القصاص في النفس والجراح مما قد حتما في التوراة على اليهود، ولم يكن لهم أخذ الدية، ومما كان في شرع النصارى: الدية ولم يكن لهم القصاص). (ح / ص).
(٢) أخرجه أبو داود ٤/ ١٧٣، رقم ٤٥٠٧، وأحمد في الفتح الرباني ١٦/ ٣٢ رقم ٩٩ ح / س.