وقوله تعالى: {واستغفروا الله}
  يلزمه الدم إن أفاض قبل الغروب؛ لأنه ترك نسكا واجبا، ما ينقض قولنا أخذا بالأفضل.
  وما قلنا: من إيجاب الدم هو قول أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي.
  وقال الناصر، وأحد قولي الشافعي: لا يجب، وقد يقال: الواجب أن يكون آخر جزء من النهار في الجبل إن وقف نهارا فوجب الدم لإخلاله بهذا الواجب، لا بكونه ترك جزءا من الليل وهو خفي.
  الحكم الثالث: أن الآية تدل على كون في المزدلفة إذا حملت الإفاضة عليها، لكن تفصيل الكون بالمزدلفة، وبالمشعر، ووقته، وبيان حكمه هل هو ركن، أو نسك، أو سنة مأخوذ من جهة السنة. وذكر الأقوال في كتب الفقه.
  وقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ} أي: اطلبوا منه المغفرة بالتوبة من ذنوبكم، وقيل: من مخالفتكم في الموقف. من الثعلبي بإسناده إلى رسول الله ÷ أنه قال: «الحجاج والعمار وفد الله تعالى إن دعوا أجابهم، وإن استغفروا غفر لهم» وقال ÷ «اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج» رواية منه عن علي بن عبد العزيز(١) أنه
(١) علي بن عبد العزيز الجرجاني، أبو الحسين الشافعي، العلامة، وهو المراد بقوله في الشرح (وقال أبو الحسين بن عبد العزيز) وكان زاهدا، ورعا، أديبا، شاعرا، روى له المرشد بالله أشعارا بديعة منها الأبيات المشهورة:
يقولون لي فيك انقباض وإنما ... رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما
ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ... ولو عظموه في النفوس لعظما
ومن شعره:
لم أجد لذة السلامة حتى ... صرت للبيت والكتاب جليسا
ليس شيء أعز عندي من العلم ... فلا أبتغي سواه أنيسا
إنما الذل في مخالطة الناس ... فدعهم تعش عزيزا رئيسا
توفي على ما قال العامري سنة ٣٦٦ هـ ولعله سهو، وفي تاريخ ابن الأثير وغيره أنه مات سنة ٣٩٣ هـ والله أعلم.