تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم}

صفحة 230 - الجزء 5

  قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ}⁣[الفتح: ٢٩]

  هذه الشدة والرحمة سبقا للمدح والثناء، فعلى المؤمنين في كل زمان أن يراعوا هذا التشدد والتعطف، ويجب أن يكون ثم حال في الموالاة والمعاداة يميز به بين المؤمن والكافر.

  وعن الحسن ¥: بلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم، ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم، وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه، أما المصافحة فلم يختلف فيها الفقهاء، وقد جاءت فيها أخبار كثيرة، ومن حقها أن تكون بالترحم والتعطف، فإن صافحه عند اللقاء وكان عند الافتراق يأخذ من عرضه كان ذلك فيه كذب وسخرية، وكان ذلك كما قيل:

  يبدون بينهم المودة والصفا ... وقلوبهم محشوة بعقارب

  وقول الآخر:

  تدلي بودي إذا لاقيتني ملقا ... وإن أغب كنت أنت الهامز اللمزة

  والمعانقة جوزها أبو يوسف.

  قال في الكافي: وهو قول عامة العلماء، وكرهها أبو حنيفة، وهذه الآيات نظيرة لقوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ}⁣[المائدة: ٥٤] وقوله تعالى: {وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}⁣[التوبة: ٧٣] وقد استدل أهل المذهب بقوله تعالى: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} أن عتق الكافرة عن كفارة الظهار واليمين لا تجزي؛ لأن ذلك خلاف الشدة، وأبو حنيفة جوزها لأنه ينطلق عليها اسم الرقبة.