تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

وقوله تعالى: {والذين جاؤ من بعدهم}

صفحة 348 - الجزء 5

  وقيل: نزلت في أهل بيت من الأنصار أهدوا رأس شاة مشويا إلى غيرهم وقالوا: هو أحوج منا، فبعثه الثاني إلى الثالث، والثالث إلى الرابع حتى دار على سبعة أنفس، ورجع إلى الأول فنزلت.

  وقيل: في سبعة عطشوا يوم أحد، فجيء بماء لا يكفي إلا أحدهم فقال: ناول فلانا حتى طيف على سبعة، وماتوا ولم يشربوا فأثنى الله عليهم.

  وقيل: نزلت في أمر رحل جاء إلى الرسول ÷ وقال: أطعمني فإني جائع فبعث إلى أهله فلم يكن عندهم شيء، فقال: «من يضيفه هذه الليلة»؟ فأضافه رجل من الأنصار فأتى به منزله ولم يكن عنده إلا قوت صبيانه فأتوا به إليه وكان قد أمر امرأته أن تنوّمهم، وأن تطفي السراج إذا أحضر، لينفرد الضيف بذلك الطعام، وجعل هو وامرأته يلوكان نبتا، فغدا إلى الرسول ÷ فقال: «لقد عجب أهل السماء من فعلكما» وفي هذا دلالة على حسن الإيثار، ونصرة لقول المؤيد بالله، ولكن إنما يحسن الإيثار مع ثقته من نفسه بالصبر.

  وفي عين المعاني عن أبي مرثد البسطامي قال: قال لي شاب من أهل بلخ: ما حد الزهد عندكم؟ قلت: إذا وجدنا أكلنا، وإذا فقدنا صبرنا، فقال: هكذا عند كلاب بلخ، بل إذا فقدنا شكرنا، وإذا وجدنا آثرنا.

  وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ} قيل: أراد الذين أسلموا من بعدهم في وقت رسول الله ÷.

  وقيل: التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، عن الحسن وهو الذي تأول عمر الآية عليه: {يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ} دلت على أن الأدب في الدعاء أن يبدأ بنفسه، وأن الاستغفار مشروع من غير وصية، وقد تقدم ذلك.