قوله تعالى: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}
  وقوله تعالى: {وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ}[الطلاق: ٧]
  هذا حكم خامس، وهو أمر ندب وخطاب للأبوين، بأن يأمر كل واحد صاحبه بالمعروف، وهو ألا يماكس الأب ولا تعاسر الأم؛ لأن الولادة في الولد لهما.
  وقيل: {وَأْتَمِرُوا} معناه، تشاوروا، لأن الائتمار: المشاورة، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ}[القصص: ٢٠] وفي ذلك دلالة على أن أجرة الرضاع على الأب، وهذا ظاهر مع فقر الرضيع.
  وأما مع غناه فكذا عند الهادي، وعند المؤيد بالله في ماله، وسبب الخلاف أن الهادي # تعلق بقوله تعالى: {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ}، وقال: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ} والمولود له هو الأب فعم ولم يفصل بين أن يكون الولد موسرا ومعسرا، والأم خارجة بالإجماع، وكذلك الولد الكثير، والمؤيد بالله قال: لا يجب على الأب مع غنى الوالد كما لو كان كبيرا.
  قوله تعالى: {وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى} وفي هذه إشارة إلى معاتبة الأم على المعاسرة، ونظيره من يقول لمن لم يقض حاجته سيقضيها الله أو سيقضيها غيرك فيلزم من هذا أن الأم إن عاسرت فطلبت أكثر من أجرة المثل فله استرضاعه مع غيرها، وإن طلبت أجرة المثل فهي أحق بإرضاعه؛ لأن رضاعها أنفع له وأصلح، هذا إذا طلبا معا بأجرة متفقة فإن طلبت الأم ارضاعه باجرة المثل ووجد الأب بأقل أو بلا شيء، فالمذهب أن للأب نقله إلى غيرها وهو أحد قولي الشافعي، كما لو كان الولد كبيرا وتبرع الغير بنفقته فإنه لا يلزم الأب نفقته.
  والقول الثاني: أن الأم أحق بأجرة المثل؛ لأن الرضاع حق للولد، والأم أصلح له.