قوله تعالى: {قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين}
  ثم قال لهم موسى: اشربوا منه، فشربوا، فمن كان يحبه خرج على شاربه الذهب، والأول أظهر.
  قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}[البقرة ٩٤ - ٩٥]
  السبب في نزول هذه الآية: أن اليهود لما ادعت [هذه](١) الدعاوى الباطلة كقولهم: {لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً}[البقرة: ٨٠] وقولهم: {لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً}[البقرة: ١١١] وقولهم: {نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ}[المائدة: ١٨] قيل لهم: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}[البقرة: ٩٤] في هذا، هذا قول الأكثر.
  وقيل: لما جادلوا النبي ÷ قيل: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ}، أي: ادعوا
= {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} وروي نحوه عن ابن جريج، والأول الوجه لذكره القلوب! ولأنه لا يقال: أشرب من سقي الشفة، ولأنه أظهر، وعليه أكثر العلماء، فأما معنى {أُشْرِبُوا} قيل: أدخل قلوبهم حبه، كإشراب اللون لشدة الم زمة، وقيل: لما داموا على عبادة العجل قيل: {أُشْرِبُوا} لأن الشرب مادة الزرع فلما أمروا بعبادة العجل قيل: اشربوا، ويقال: من اشرب ذلك قلوبهم؟ قلنا: لم يرد أن غيرهم فعل ذلك بهم، ولكن لفرط ولوعهم به، والفهم لعبادته، اشربوا في قلوبهم حبه، والزموا ذكره، ومحبته فذكر على ما لم يسم فاعله، كما يقال: فلان معجب بنفسه، وقيل: أشرب من زينه عندهم، ودعا إليه، كالسامري، وابليس وشياطين الإنس والجن، ولا يجوز أن يقال: إن الله تعالى فعل ذلك! لأنه ذمهم بذلك ووبخهم، ولو كان ذلك فعله لما صح ذلك، ولأن تزيين عبادة الصنم قبيح، وقد نهى عنه، وأوعد عليه، ولا يجوز أن يفعله).
(١) ما بين القوسين زيادة في النسخة أ.