قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون}
  قال الحاكم: قيل: التحريم هو للتشبه بالرهبان من النصارى؛ لأنهم حرموا هذه الأشياء.
  وقيل: لأنه تعالى اعلم بالمصالح في التحليل والتحريم، فكونه(١) حرم ما المصلحة تحليله عصيان، وإن لم يحرم.
  فإن قيل: قد رويتم ما قال ÷ من المنع من التحريم، وأكله ÷ للطيبات، وما روي عن الحسن وغيره.
  وعن علي بن موسى القمي أن الأنبياء À قد توسعوا في الحلال، وكذلك الصحابة، قال: ورأيناهم لا يعدلون عن الشابة الجميلة إلى العجوز القبيحة، فما بالهم يعدلون من خبز البر إلى خبز الشعير، فكيف الجمع بين هذا وبين ما ورد في الزهد، وفي(٢) الحث عليه، وبما كان عليه عيسى # ويحيى بن زكرياء، وما فعله أمير المؤمنين من التزهد(٣)، وبما ورد في الحديث من رواية أبي طالب في الأمالي «أن رسول الله ÷ أفطر بقباء يوم الجمعة، فأتاه أوس الأنصاري بقعب فيه لبن مخيض بعسل، فلما وضعه على فيه نحاه، ثم قال: «شرابان يجزي أحدهما دون الآخر»، ثم قال: «لا أشربه ولا أحرمه، ولكن أتواضع لله ø، فإنه من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر قصمه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن أكثر ذكر الله أحبه الله ø».
  جواب ذلك أنا قد بينا الممنوع المحرم من اعتقاد تحريم الحلال، وإظهار التحريم، والتشبه بالنصارى ونحو ذلك، فإن لم يحصل واحد مما ذكرنا فالحالات تختلف، فمن كان يقتدي به في القنوع باليسير، والرغبة
(١) قوله (فكونه) أي: العبد.
(٢) في نسخة (والحث عليه) وفي نسخة (في الحث عليه) بدون واو.
(٣) تقدم ذكره في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ} من هذه السورة.