تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون أولئك هم المؤمنون حقا}

صفحة 318 - الجزء 3

  ويرضى بما قسم له، ويعتقد فيما فات أن ذلك لمصلحة، ويعتقد أن ما ناله من نعمة الله فهو من الله تعالى، أو بتسبيبه، ولا يظهر جزعا.

  وليس من تعلق بالتجارة والحرف يخرج عن التوكل، وقد قال تعالى: {إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ}.

  وقال ÷: «طلب الحلال فريضة بعد الفريضة» وقد فعل ذلك سادات الأمة، وأعيان الصحابة والتابعين، وذم ÷ من ترك السعي، وذلك فيما رواه الحاكم عن ابن عباس قال: (مر النبي ÷ بقوم في قباء بالمدينة، فمنهم من يصلي، ومنهم من يتذاكر العلم، ومنهم من يتدارس القرآن، فوقف عندهم ساعة، ثم قال: «من أنتم»؟ فقالوا: يا رسول الله نحن قوم قرأنا القرآن فمررنا بقوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} فتوكلنا على الله فهو حسبنا، فنحن المتوكلون، وأن الله سيرزقنا من حيث لا نحتسب، فقال: «يا قوم قوموا وتفرقوا، واكتسبوا، وابتغوا من فضل ربكم، فإن الله لم يأمرنا بهذا» ثم قال في آخر الخبر: «أنتم المتواكلون على الناس» وفي حديث: لما قالوا نحن المتوكلون، قال: «كذبتم، أنتم المتوكلون، إنما المتوكل رجل ألقى الحب وهو ينتظر الغيث» وقد ورد في ذلك أخبار وآثار.

  وقسم العلماء المكاسب إلى واجب، ومندوب، ومحظور، ومكروه، فما دفع به مضرة نفسه ومن يعول فذلك واجب، وما يبتغي به على الإنفاق في القرب فمندوب، وما كان بوجه حرام أو طلب مفاخرة فحرام، وما قصد به الكثرة والثروة فمكروه، ولم يبق للمباح صورة على هذا التقسيم.

  وقد ذكر في المنتخب من الإحياء⁣(⁣١) أن ترك التكسب أفضل لعابد


(١) كتاب المنتخب - المنتزع من كتاب إحياء العلوم للغزالي.