وقوله تعالى: {والذين جاؤ من بعدهم}
  أنت(١) الربيع إذا يكون خصاصة ... عاش السقيم به وعاش المقتر
  وفي هذا دلالة على مدح الإيثار.
  وأما حديث البيضة فمتأول أن الرسول # عرف من حاله أنه يتكفف الناس، ويتفرع على هذا لو نذر بماله كله فإنه يصح نذره عند المؤيد بالله، لكن يتقي ما يسد جوعته، ويستر عورته فمى استغنى عنه أخرجه، وهذا قول للهادي، والقاسم $ وقواه الفقيه محمد بن يحيى، والظاهر من قول الهادي، والقاسم أنه لا يخرج من نذره إلا الثلث؛ لأن الاستغراق منهي عنه لإجماع العقلاء على أن من تصدق بجميع ماله حتى لا يبقي ما يسد جوعته، ويستر عورته أنه لا يحمد بل يذم، وخصوا الثلث بما ورد فيه الوصية، لكن يقال: كان يلزم بطلان ما عصى به وهو لا يتعين فيبطل الكل.
  قالوا: إن الله تعالى قد أثنى على من توسط في إنفاقه فقال تعالى في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً}[الفرقان: ٦٧] وقال تعالى في سورة الإسراء: {وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً}[الإسراء: ٢٩] وأدلة المؤيد بالله أظهر؛ لأنه تعالى مدح المؤثرين مع الحاجة.
  وقد روي في سبب نزول الآية أن الله تعالى لما فتح بني النضير جمع رسول الله ÷ الأنصار وأثنى عليهم بحسن صنيعهم إلى المهاجرين، ثم قال: «إن شئتم قسمت بينكم، والمهاجرون في بيوتكم كما كانوا، فإن شئتم خصصتهم بها، ويخرجون من بيوتكم» فنادوا كلهم من كل جانب أن يقسمها بينهم، ويكونون في بيوتنا ودورنا كما كانوا، فأعطاهم الفيء فآثروا به المهاجرين فنزلت فيهم الآية.
(١) في (ب) أتى.