تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم}

صفحة 376 - الجزء 5

  {بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ} لأن الحامل للأسفار يتعب بحملها، فإذا لم ينتفع بما حمل فليس له إلا المشقة والتعب، والأسفار الكتب، شعرا:

  زوامل للأسفار لا علم عندهم ... بجيّدها إلا كعلم الأباعر

  لعمرك ما يدري البعير إذا غدا ... لحاجته أو راح ما في الغرائر

  قوله تعالى: {قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}⁣[الجمعة: ٦ - ٧]

  النزول

  قيل: لما قالت اليهود نحن أبناء الله وأحباؤه، ولنا الجنة دون الناس نزلت هذه الآية.

  وثمرتها: أن تمني الموت ممن عرف أنه من أولياء الله جائز.

  فإن قيل: فقد قال ÷: «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان ولا بد قال: اللهم أمتني إن كان الممات خيرا لي، وأحيني إن كانت الحياة خيرا لي»؟

  جواب هذا أنه نهى عن تمني الموت لأجل ما يصيبه من البلوى، وفي الصبر زيادة في الأجر والثواب، وهو يفضل في هذه المسألة، ويقال: إنه إن عرف أنه ولي الله ففي الآية دلالة على جواز ذلك، ولكن هذا لا يحصل إلا ممن دل الدليل على عصمته، ولم يعرف من أحد من أنبياء الله تمنيه؛ لأنه لا يكون دعاؤهم إلا بإذن من الله تعالى؛ لأنه تعالى أمرهم بالصبر على دعاء الخلق، فإن لم يعرف عصمته، فإن خشي الفتنة في دينه جاز، وقد كان سفيان الثوري يتمنى الموت.