قوله تعالى: {فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤسكم حتى يبلغ الهدي محله}
  وهذا الذي ذكره أبو طالب، والناصر، وهو مروي عن أبي علي، والفراء
  واستظهر على ذلك بقوله ÷ «من كسر أو عرج فقد حل».
  وفي خبر آخر رواه أبو داود «من كسر، أو عرج، أو مرض فقد حل» وهو بفتح الراء في عرج، وقد يسمع بالوجهين، فالكسر إذا صار أعرج، أو كان خلقة. وعرج بالفتح إذا غمز من شيء أصابه، معناه: يجوز أن يحل كما قال ÷ «إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا فقد أفطر الصائم» أي: جاز له أن يفطر، وفي النهاية عن أبي ثور، وداود أن المحصر بالمرض يحل من غير هدي أخذا بظاهر الخبر، ويقولان: الآية الواردة في المحصر هو حصر العدو.
  القول الثاني:
  أن الآية تفيد المنع بالعدو لا بالمرض، وهذا قول مالك، والشافعي، واستدل على هذا بقوله تعالى في آخر الآية: {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ} قالوا: ولو كان الاحصار بالمرض لم يكن لذكر المرض بعد ذلك فائدة.
  واحتجوا أيضا بقوله تعالى: {فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِ}[البقرة: ١٩٦] والأمن لا يطلق إلا على ارتفاع الخوف من العدو، ولا يطلق على ارتفاع المرض إلا على وجه الاستعارة، وهو لا يصار إلى الاستعارة إلا لأمر موجب للخروج عن الحقيقة إلى المجاز.
  حجة ثالثة: قالوا: إنه نزل قوله تعالى في سورة الفتح {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ}[الفتح: ٢٥] في منع العدو، والاحصار به، وخطاب الله تعالى يجب حمله على الحقيقة، ولا يصار إلى المجاز إلا لدليل.