وقوله تعالى: {من بعد موسى}
  وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مُوسى} أي: من بعد زمان موسى؛ لأنه لما مات موسى خلف [من] بعده(١) يوشع بن نون، يقيم فيهم التوراة، ثم خلف من بعده حزقيل كذلك، ثم من بعد موته نسوا عهد الله، وعظمت الأحداث حتى عبدوا الأوثان، فبعث الله إليهم إلياس، ثم من بعد إلياس أليسع، فلما قبض عظمت الأحداث، فظهر عليهم قوم جالوت، وهم العمالقة، كانوا يسكنون بساحل بحر الروم بين مصر وفلسطين، فسبوا كثيرا من ذراريهم، وأسروا من أبناء ملوكهم أربعين وأربعمائة غلام، وضربوا عليهم الجزية، فلما أظهر الله تعالى هذا النبي سألوه أن يبعث لهم ملكا يدبر أمر الحرب، ويأتمر بما يأمره النبي من الوحي، وكانت هذه عادة الرسل(٢).
  وقوله تعالى: نّقتل قراءة أكثر القراء {نُقاتِلْ} حكاية عنهم، وعن السلمي بالياء من تحت أي: يقاتل الملك.
  وقوله تعالى: {هَلْ عَسَيْتُمْ} أي: قال لهم النبي: {هَلْ عَسَيْتُمْ} أي: لعلكم لا تقاتلون إن كتب عليكم القتال(٣).
  وقوله تعالى: {فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ} أي: فرض.
  ثمرة هذه الآية الكريمة: أنها قد دلت على أحكام.
  الأول: وجوب الجهاد؛ لأن الله تعالى إنما ذكر هذه القصة المشهورة في بني إسرائيل، وما نالهم تحذيرا عن سلوك طريقهم، وأيضا شرائع من تقدمنا تلزمنا.
(١) في نسخة ب (خلف من بعده) وفي نسخة أمحذوف.
(٢) في بني إسرائيل.
(٣) هل معناها: التقرير، وتثبيت أن المتوقع كائن، أو صائب في توقعه، كقوله تعالى: {هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ} ذكر معناه في الكشاف.