وقوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها}
  قال في الكشاف: وما في الأنفال كان يوم بدر، فلما كثر المسلمون نزل قوله تعالى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً}.
  وقال أبو حنيفة: لا تجوز المفاداة بمال، ويرجع حربيا، ولا إطلاقه، ولكن يقتل أو يسترق إن كان عجميا أو توضع عليه الجزية، ولأبي طالب والقاضي زيد كلام ظاهره، كقول أبي حنيفة: أنه لا يرد حربيا لكن قد تأول أن المراد إذا كانت شوكتهم باقية.
  وعن مجاهد ليس اليوم منّ ولا فداء، إنما هو الإسلام، أو ضرب العنق، وإذا قلنا: إنه يخير فذلك حيث يستوي حق المسلمين، فإن اختلف الحال فعل الإمام الأصلح من القتل والمن والمفاداة، وأبو حنيفة يقول: إن هذه الآية نزلت قبل نزول براءة، ونسخ جواز المفاداة بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} وله روايتان في جواز مفاداة أسير الكفار بأسير من المسلمين، وقالوا: لا يجوز مفاداة النساء والصبيان؛ لأن في ذلك تكثير العدد، ويجوز مفاداة العجوز الفانية، والشيخ الهرم لكونهما لا يولدان فإذا أسلم الأسير لم يقتل ويسترق إن كان عجميا.
  قال الزمخشري: وإن قيل: أريد بالمن ترك القتل، ويسترقون، أو يمن عليهم بترك القتل، ويسلمون الجزية، ويكونون أهل ذمة، وأريد بالفداء مفاداة أسير الكفار بأسير من المسلمين جاز ذلك على الرواية الخفية لأبي حنيفة، يعني ولا يجعل هذا منسوخا، بل يتأوله.
وقوله تعالى: {حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها}.
  قيل: الأوزار الأثقال، وهي آلة السلاح، والمعنى حتى تقع الموادعة، قال الشاعر وهو الأعشى:
  فأعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالا وخيلا ذكورا
  وقيل: الأوزار الآثام، والمعنى حتى يضع أهل الحرب من الكفار آثامهم بالإسلام.