قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم}
  وكان عمر ¥ يكلم النبي كأخي السرار ولا يسمعه حتى يستفهمه، وكان أبو بكر إذا قدم على رسول الله ÷ وفد. أرسل إليهم من يعلمهم فيسلمون، فيأمرهم بالسكينة والوقار عنده ÷.
  وقيل: نزلت في قوم رفعوا أصواتهم في القراءة خلف رسول الله ÷، وقيل: غير ذلك، وحين كلمه أبو بكر وعمر سرا نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} ونزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} في بني تميم، وذلك أن الأقرع بن حابس وعتيبة ابن حصن، والزبرقان بن زيد، وقيس بن عاصم في أناس من بني تميم جاءوا إلى النبي ÷ فنادوا: يا محمد اخرج إلينا نفاخرك، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فخرج رسول الله ÷ وهو يقول: «ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين» ثم فاخروه بالنظم والنثر، فأمر قيس بن شماس وهو خطيب الأنصار فأجابهم نثرا، وأمر حسان فأجابهم نظما، فارتفعت الأصوات ونزلت الآية.
  وثمرة هذه الآية وجوب استعمال الهيبة والتبجيل والتوقير لرسول الله ÷، وأن يجعل له مزية لا تكون لغيره، وأن لا يكون خطابه كخطاب غيره؛ لأنه قيل: إنهم كانوا يقولون يا محمد يا أحمد فأمر بأن لا يخاطبوه بما يخاطبون به بعضهم بعضا، بل يقولون: يا رسول الله يا نبي الله.
  قال الحاكم: وكما يحسن ذلك مع النبي فكذا مع الأئمة والعلماء، ومن يجب تعظيمهم.
  قال الحاكم والزمخشري: وليس القصد رفع الصوت، ولكن القصد استعمال التعظيم والتوقير، فإن رفع الصوت وجهر به إظهارا للاستخفاف فذلك كفر في حق النبي ÷.