قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}
  ¥ - كان يخدم رجلين من الصحابة ويسوي لهما طعامهما فنام عن شأنه يوما فبعثاه إلى رسول الله ÷ يبغي لهما إداما، وكان أسامة على طعام رسول الله ÷ فقال: ما عندي شيء فأخبرهما سلمان بذلك فقالا: لو أرسلناه إلى بئر سمحة لغار ماؤها، وهي بئر من بؤر مكة(١)، فلما راحا إلى رسول الله ÷ قال: «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما» فقالا: ما تناولنا لحما، فقال: «إنكما قد اغتبتما».
  ثمرة هذه الآية أن الله تعالى حرم بها السخرية بالمؤمنين، واللمز بهم والتنابز بالألقاب، وظن السوء، والتجسس والغيبة.
  أما السخرية فهي والاستهزاء نظيران، وفي قوله تعالى: {عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ} إشارة إلى أن هذا النهي لمن يجوّز أنه مرضي عند الله لا إذا ظهر عصيانه، والمعنى: لا يسخر أحد لرثاثة حالة أو لعيب في خلقة، فلعله عند الله أخلص ضميرا وأتقى قلبا فتكونوا قد استهزأتم بمن عظمه الله. وقيل: المعنى خشية أن تكونوا على حال أشر من حاله.
  قال جار الله |: ولقد بلغ من توقي السلف وتصونهم من ذلك أنه قال عمرو بن شرحبيل: لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه خشيت أن أصنع مثل الذي صنعه.
  وعن عبد الله بن مسعود ¥: البلاء موكل بالقول، لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا.
  وأما اللمز فهو الطعن باللسان، وهو بمعنى الهمس، ولهذا ورد قول الشاعر:
  تدلي بود إذا لاقيتني ملقا ... وإن أغب كنت أنت الهامز اللمزة
  وقيل: الهمزة بالقول والإشارة، واللمز بالقول.
(١) صوابه: من بؤر المدينة (ح / ص).