تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

وقوله تعالى: {تسرون إليهم بالمودة}

صفحة 355 - الجزء 5

  ثمرة هذه الآية: النهي عن موالاة الكفار؛ لأنه تعالى نهى عن ذلك، ومن ذلك إلقاء السر إليهم مما كان يحجب عنه، ولأنه تعالى قال: {قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ} يعني: في كونهم تبرءوا من الكفار، وقد تكررت الآيات في النهي عن الموالاة في نيف وأربعين موضعا من كتاب الله تعالى، وقد تقدم طرف من الكلام على ذلك في سورة آل عمران في قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}⁣[آل عمران: ٢٨] والموالاة المنهي عنها هي الموادة والمحبة له لما هو عليه، فيكون ذلك رضاء بالكفر والفسق، فيصير الموالي على هذه الصفة كالفاعل، ويطلق على المناصرة، وتطلق على المحالفة، والمنهي عنه أن يكون ذلك على ما لا يجوز، وتطلق على المباطنة والمصاحبة، فالأول والثاني والثالث لا يستثني منه شيء، والرابع هو المباطنة والمخالطة لا تجوز إلا تقية لقوله تعالى في سورة آل عمران: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً}⁣[آل عمران: ٢٨] ودلت الآية على تحريم التقرب إلى الكفار لمضارة المسلمين.

  قال الحاكم: ولم يكن ما فعله حاطب كفرا؛ لأنه ÷ لم ينسبه إلى الكفر، ولما ظن عمر أنه منافق وهم بقتله نهاه ÷ عن ذلك، وهو يستخرج من الآية الكريمة أنه ينبغي قطع ما يؤدي إلى مداراة الكفار ونحوهم، وأن لا يجعل المؤمن له سببا يداري أعداء الله، وأنه لا يجوز الاستغفار للكفار؛ لأن قوله تعالى: {إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} المعنى: فلا تقتدوا به.

  وقيل: إن أباه كان يري إبراهيم أنه يسلم ويعده إظهار الإسلام، فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه. وقيل: وعده أن يستغفر له إن أسلم.