تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون}

صفحة 398 - الجزء 5

  وقيل: كانوا إذا خلوا بضعفة المسلمين طعنوا في الإسلام، فإذا بلغ ذلك رسول الله ÷ جاءوا معتذرين يحلفون كاذبين عن الأصم.

  وقيل: قال عبد الله بن أبي لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، فلما بلغ ذلك رسول الله جحد وحلف.

  ولهذه الآية ثمرات:

  الأولى: أن لفظ الشهادة يمين؛ لأنه تعالى قال بعد ذلك: {اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً} فجعل الشهادة يمينا، وهذا مذهبنا، وأبي حنيفة، وأصحابه، ومالك، لكن عندنا ومالك وزفر أن ذلك كناية؛ لأنه يحتمل أنه أراد الشهادة بالله، ويحتمل غيره.

  وقال أبو حنيفة، وأصحابه ذلك صريح أخذا بظاهر الآية.

  وقال الشافعي: ليس يمين؛ لأنهم حلفوا بالله.

  وقوله: {جُنَّةً} أي: واقية، ومنه: سمي المجن، قال الشاعر:

  إذا أنت لم تجعل لعرضك جنة ... من المال سار الذم كل مسير

  الثانية: تعلق بقوله تعالى: {وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ}.

  قيل: أراد فيما أخبروا به عن أنفسهم أن قلوبهم على مطابقة ألسنتهم.

  وقيل: أراد الكاذبون عند أنفسهم في الشهادة؛ لأن الشهادة لم تكن عن اعتقاد صدق، كما لو شهد لغيره بحق لا يعتقد صحته، وكان صحيحا، وقد استدل بعضهم أن من أخبر بخبر يعتقد أنه غير مطابق وكان مطابقا في نفس الأمر إنه يكون كذابا، وأن من قال لعبيده: من بشرني بقدوم زيد فهو حر، فبشره عبد معتقدا لكذب نفسه، ثم اكتشف أنه مطابق أنه لا يعتق؛ لأن كلامه كذب لكونه معتقدا كذب نفسه، وإن كان مطابقا.

  وهذا خلاف المذهب، والمذهب أنه غير كذب فيعتق؛ لأن الصدق ما طابق، وإن اعتقد عدم المطابقة والكذب ما لم يطابق، وإن اعتقد المطابقة، وعندنا أنه لا واسطة بين الصدق والكذب.