قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم}
  عن عطاء، وأنس، وابن عباس، وابن الزبير(١)، بدليل رفع الجناح، وهو يستعمل للتخير. قيل: وفي مصحف عبد الله: (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما) وروي أنه قرأ بذلك ابن عباس، وأنس، وابن سيرين، وحملت هذه القراءة على التفسير، كما فسر بذلك أبو علي، وقال: في الآية حذف «لا» كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}[النساء: ١٧٦] وتقديره: أن لا تضلوا، وكقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ}[الأعراف: ١٧٢] قال القاضي وغيره: الحذف لا يقدر إلا بدليل، ولا دليل هنا.
  وعن مجاهد وأبي علي في قوله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ} أي: بالسعي بين الصفا والمروة، بناء على أنه سنة لا واجب، فحصل الاستدلال على عدم الوجوب من الآية من وجهين(٢).
  وقال أكثر العلماء، وأهل التفسير: إنه واجب، ولم يصححوا القراءة الشاذة، واحتجوا بقوله ÷: (إن الله قد كتب عليكم السعي فاسعوا).
  وأما قوله تعالى: {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً} ففيه أقوال ثلاثة:
  الأول: أراد بالطواف حول البيت، بعد أداء الواجب، وهذا تفسير ابن عباس، ومقاتل والكلبي.
  وقيل: تطوع بالعمرة؛ لأنها سنة، وهذا قول ابن زيد، وعن الأصم: من تطوع بالحج والعمرة بعد قضاء الواجب.
(١) ابن الزبير: عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي، القرشي، أبو خبيب، أول مولود ولد في الإسلام وجيء به إلى النبي ÷ فحنكه بريقه، وسماه عبد الله، وكان غاية في العلم، والشجاعة، قام بالخلافة بعد موت معاوية بن يزيد، وأجابه أهل الحجاز، والعراق، وخراسان، وتخلف عن بيعته ابن عباس، ومحمد بن الحنفية، وحج بالناس ثمان حجج، وحصره الحجاج بمكة في أول ذي الحجة سنة ٨٧ هـ ونصب عليه المنجنيق، وحبس عليه الميرة، حتى قتل نصف جمادى الأولى سنة ٧٨ هـ عن ٧٣ هـ سنة، ومدة الحصر ستة أشهر ونصف.
(٢) رفع الجناح، وحذف لا. (ح / ص).