تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

وقوله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة}

صفحة 383 - الجزء 1

  واعلم أن للعلماء ¤ أقوالا في من تؤخذ منهم الجزية بعد اتفاقهم أنها تؤخذ من أهل الكتاب عربا أو عجما، إلا قولا لبعض المالكية: إنها لا تؤخذ من قرشي، سواء كان كتابيا أم لا.

  فقال مالك، وهو إطلاق الهادي #: إنها تؤخذ من كل كافر.

  وقال الشافعي: لا تؤخذ إلا من أهل الكتاب عربا، أو عجما، ومن المجوس. والذي صححه أبو العباس، والأخوان لمذهب الهادي # كقول أبي حنيفة: أنها تؤخذ من أهل الكتاب عموما، ومن غيرهم إن كانوا عجما، لا إن كانوا عربا، وليس لهم كتاب، فلا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف.

  وسبب الاختلاف: انه قد ورد في قوله تعالى في سورة براءة: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ}⁣[التوبة: ٢٩] فأباح الجزية من أهل الكتاب وهذا مجمع عليه معلوم من الدين، لم يخرج إلا قول من استثنى القرشي.

  قال الشافعي: فلما خص أهل الكتاب بالجزية دل ذلك على أنها لا تؤخذ من غيرهم.

  ويحمل قوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} وقوله تعالى في سورة التوبة: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}⁣[التوبة: ٥] على غير أهل الكتاب، وهذا ترتيب مذهب الشافعي في كيفية استدلاله، وأما ترتيب ظاهر كلام الهادي #، ومالك: من أنها تؤخذ من كل مشرك؛ لأنه ÷ كان يقول لأمراء السرايا حين كان يبعثهم إلى مشركي العرب، ومعلوم أنهم لم يكونوا أهل كتاب: «فإذا لقيت عدوك فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن