تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

وقوله تعالى: {ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام}

صفحة 426 - الجزء 1

  قيل: إن هذا مجاز، ومدعيه عليه الدليل، أجيب بأن قوله: {فَمَنْ} شرط، وقوله {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} جزاء، والاستثناء يرجع إلى الجزاء دون الشرط، كقول القائل: «من دخل الدار فأعطه درهما إلا فلانا» فإن الاستثناء يرجع إلى الجزاء، وهو العطاء.

  قالوا⁣(⁣١): ولأن أبا حنيفة يقول: الاستثناء يرجع إلى ما يليه، والذي يليه الجزاء.


(١) في هذا الجواب نظر، والنظر في قوله (قالوا: ولأن أبا حنيفة ..) الخ لأنه يقول برجوع الاستثناء إلى ما يليه من الجمل التامة، والجزاء ليس بتام، ويؤيد ذلك ما قاله في تفسير النيسابوري، عن أبي حنيفة وأصحابه: إن ذلك إشارة إلى التمتع وما يترتب عليه؛ لأنه ليس البعض أولى من من البعض، فيعود إلى كل ما تقدم، ولا متعة ولا قران لحاضر المسجد الحرام. اه فلو كان الخبر جملة تامة لما خالف أبو حنيفة أصله في رجوع الاستثناء إلى القريب، وأما أول الجواب فصحيح، وإن كانت عبارته قاصرة عن إفادة المرام، ومعنى رجوعه إلى الجزاء نفي الجزاء عن المستثنى إن حصل الشرط، فقولك: من دخل الدار فاعطه درهما إلا فلانا، معناه لا تعط الفلان إن دخل الدار، فيكون معنى الآية من تمتع فعليه الهدي إلا الحاضر، فيكون المراد والمفهوم من الآية أن الحاضر لا هدي عليه إن تمتع، وهذا عين مذهب الشافعي، ويمكن أن يقال: الخطاب مقصور على غير الحاضرين، لأن الرسول ÷ وأصحابه كانوا وقت نزول الآية غير حاضرين بنزولها عام الحديبية، فبين فيها حكم الآفاقي، وماله، وما عليه، ثم قال بعد ذلك {ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} دفعا لما عساه يتوهم أن هذه الأحكام تعم الأمة، خصوصا مع قوله ÷ (حكمي على الواحد حكمي على الجماعة) ولو كان الحاضر داخلا لما عدل من لفظ واحد موضوع للإخراج إلى ألفاظ متعددة غير موضوعة له، فجيء بتلك الألفاظ لكون المقام غير مقام الاستثناء، على أنا لو سلمنا دخول الحاضرين فيما سبق، وأن تلك الألفاظ بمثابة حرف الاستثناء، لكان العدول عن حرف الاستثناء، والإتيان باسم الإشارة الموضوع للبعيد للدلالة على أن المخرج عنه الحكم البعيد المستتبع لما بعده من وجوب الهدي على الواحد، ووجوب الصوم على غير الواجد، إذ لو جيء بحرف الاستثناء لتبادر الإخراج عن الحكم =