قوله تعالى: {ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم}
  إن عظم غيره تهاون الناس به، وسموا الحمس؛ لأنهم تشددوا في دينهم، والحماسة: الشجاعة. والحمس: جمع أحمس، وهو الشجاع.
  فإن قيل: إن الإفاضة من عرفات قد تقدم ذكرها، ففيه جوابان:
  الأول: أنه عطف بثم لبيان مرتبة الإفاضة التي أفاض منها الناس على غيرها، فنظير (ثم) هنا نظير (ثم) في قوله تعالى: {ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا}[البلد: ١٧].
  وكما في قول الشاعر:
  يرى غمرات الموت ثم تزورها(١)
  الجواب الثاني: ذكره في الثعلبي: أن في ذلك تقديما وتأخيرا، تقديره: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ} ... ، {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ} ... ، {فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ}. وهذا التفسير بأنه أراد تعالى الإفاضة من عرفات مروي عن ابن عباس، وعائشة، ومجاهد، والحسن، وقتادة. قال في الثعلبي: وهو قول عامة المفسرين.
  وقالت طائفة من أهل التفسير: أراد تعالى الإفاضة من مزدلفة؛ لأنه قد تقدم ذكر الإفاضة من عرفات، ويكون أمرا للجميع.
  واختلف من المراد بقوله: {النَّاسُ}؟ فقيل: أراد إبراهيم ÷، وعبر عنه بلفظ الجمع؛ لأن ذلك يرد للمعظم، ولهذا قال تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ}[النحل: ١٢٠] وقوله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النساء: ٥٤] أراد محمدا ÷ وقوله تعالى: {الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}[آل عمران: ١٧٣] أراد نعيم بن مسعود
(١) أي: تغشاها.