تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤف بالعباد}

صفحة 465 - الجزء 1

  النفس لوقاية الغير، وقد ذكر المؤيد بالله في الزيادات أن رجلين لو خافا الهلاك من العطش، وكان مع أحدهما ماء، فإن له أن يؤثر صاحبه وإن هلك، وكذا يقاتل عن غيره وإن علم أنه يقتل، ويسلم الذي دافع عنه، ويحسن ذلك طلبا لثواب الله تعالى، ولم يشترط أن يكون في ذلك إعزاز للدين.

  وهاهنا بحث: وهو أن يقال: كيف التوفيق بين دلالة هذه الآية في جواز بذل النفس ابتغاء لمرضاة الله، وبين دلالة قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}⁣[البقرة: ١٩٥]؟.

  وجوابه: أن قوله تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} عام، وهذه الآية مخصصة لذلك العموم، وقد تقدم كلام الحاكم⁣(⁣١).

  وقوله تعالى في سورة النساء: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}⁣[النساء: ٢٩] وقد فسر ذلك بوجوه، إما أنه أراد بأن {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل؛ لأنه عقب قتل النفس بذلك.

  وإما أنه أراد قتل النفس حقيقة لغرض باطل.

  وإما أنه أراد قتل الغير؛ لأنه يؤدي إلى قتل نفسه قصاصا.

  وإما أنه أراد قتل الغير من المسلمين؛ لأن المسلمين كالنفس الواحدة.

  وتأول عمرو بن العاص الآية على أن المراد أنه يتيمم لخشية الهلاك من البرد.

  لأن في الحديث قال في سنن أبي داود، عن عمرو بن العاص قال:


(١) حيث قال: تجوز الهزيمة في الجهاد إذا خاف على النفس. (ح / ص).