وقوله تعالى: {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله}
  لو صرف إلى فقير لكونه يخدمه، أو يدفع عنه المظالم، أو يحسن إليه، أو نحو ذلك، فإنه ينظر فإن دفع الزكاة ونحوها إليه، لكونه قد فعل هذه الأشياء في الزمن الماضي جاز ذلك؛ لأن هذا مكافأة له بالإحسان لكونه خصه من بين الفقراء، وإن دفعت إليه الزكاة ونحوها، ليفعل ذلك في المستقبل، بحيث عرفوا من نفوسهم أنه لو لم يحصل من الفقير ما أرادوا ما صرفوا إليه لم يجزهم لأنهم جعلوها للعوض(١)، وعلى هذا قوله تعالى في سورة الدهر: {إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً}[الإنسان: ٩] وقوله تعالى في سورة الليل: {وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى}[الليل: ١٩ - ٢٠] وهذه المسألة قد يتعثر فيها كثير ممن لم تخلص نيته.
  إن قيل: إذا كان حكم الدافع الإثم، وعدم الإجزاء، فما حكم المدفوع إليه؟ وما حكم المال المدفوع؟ قلنا: أما حكم المدفوع إليه، فإن علم أثم؛ لأنه مسبب للدافع على الإخلال بالواجب، ومقرر له(٢)، وأما حكم ما سلم، فإن كان ثم شرط فهو باق على ملكه، وهو يشبه الأجرة المشروطة على المحظور(٣)، وإن كان ذلك مضمرا، فإن سلم في مقابلة واجب عليه، وهو أن يدفع عنه منكرا فذلك رشوة يجب صرفها؛ لأنه
(١) إذا كان هذا هو المانع، فلا فرق بين تقدمه وتأخره، فتأمل. (ح / ص).
(٢) لعل هذا إذا كان الدافع يظن الإجزاء، فإنها تكون إباحة في مقابلة عوض غير حاصل، وهو الإجزاء، وأما إذا كان الدافع يعلم أن يظن عدم الإجزاء فهي إباحة في مقابلة ما سيفعله، فينظر في الذي يفعله هل هو واجب، أو محظور على الفاعل، فإن كان كذلك وفعل ذلك العوض جاء على الخلاف في الرشوة على واجب أو محظور، هل يملك ويتصدق به، أو لا يملك، وإن لم يفعل كان على الخلاف بين المذاكرين، هل الإباحة تبطل ببطلان عوضها، أو لا تبطل، وإن لم يكن أحدهما، وإن فعل العوض حل له، وإلا فهو باق على ملك مالكه على الخلاف. (ح / ص).
(٣) فيجب رده، ويكون كالغصب إلا في الأربعة.