تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}

صفحة 526 - الجزء 2

  قال الحاكم: هذا فيمن هتك ستر نفسه، وقد قال أيضا في السفينة، والفقيه الشهيد⁣(⁣١): تجوز غيبة الفاسق المجاهر لقوله #: «من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له دون المتستر».

  قال الحاكم: وقيل: إنها نزلت في أبي بكر، وذلك أن رجلا شتمه فكرر عليه مرارا ثم رد عليه، وكان ذلك بحضرة رسول الله ÷، فلما رد أبو بكر قام رسول الله فقال أبو بكر: شتمني وأنت جالس، فلما رددت عليه قمت، فقال: «إن ملكا كان يجيب عنك، فلما رددت عليه ذهب الملك، وجاء الشيطان، فلم أجلس عند مجيء الشيطان».

  وسئل المرتضى عن هذه الآية؟ فقال: لا يحب الله ذلك، ولا يجيزه لفاعله.

  {إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} وذلك مثل ما كان من مردة قريش، وفعلهم بأصحاب رسول الله ÷ من العقاب والضرب، ليشتموا رسول الله ويتبرءوا منه، وفعل عمار ذلك فخلوه، وصلبوا صاحبه فأطلق لمن فعل به هكذا أن يتكلم بما ليس في قلبه، وفي عمار وصاحبه نزل قول الله تعالى في سورة النحل: {مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ}⁣[النحل: ١٠٦] فكانت هذه الآية مبينة لما في قلب عمار من شحنه بالإيمان⁣(⁣٢)، وقد أفادت الآية حكمين:

  الأول: جواز الجهر بالدعاء على الظالم، والجهر بمساوئه.

  قال الحاكم: وإنما يكون ذلك إذا كان غير متستر.

  ودلت على أن من جهر بكلمة الكفر مكرها لم يكفر؛ لأنه مظلوم،


(١) هو الفقيه العلامة الشهيد حميد بن أحمد المحلي |، وقد تقدمت ترجمته.

(٢) إشارة إلى الخبر المشهور في عمار ¥.