قوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}
  صاحب الفراش، فإذا قال لرجل: لست ابن فلان وهو المنتسب إليه فقد صار قاذفا لأمه، ولا يكون قاذفا يستحق جلد ثمانين إن رماه بكفر أو فسق أو شرب أو نحو ذلك من أنواع المعاصي.
  والوجه: أن الآية اشترطت لعدم الجلد أن يأتي بأربعة شهداء، واشتراط الأربعة لا يكون إلا في الزنى، فدل ذلك أنه المراد.
  قال القاضي: ولأن من جهة التعارف يطلق الرمي على الشتم بالزنى.
  قيل: ولأن الرمي بالزنى كثير فاحتيج إلى زجر بخلاف الرمي بالكفر.
  وإذا عرف هذا فلا بد أن يأتي بلفظ صريح موضوع للزنى لا يحتمل غيره نحو يا زان يا زانية، أو بلفظ ظاهره للزنى، وإن احتمل غيره وهو يعبر عنه بالكناية نحو لست بابن فلان، أو يا فاعل بأمه؛ لأن ذلك يفيد من جهة العرف الرمي بالزنى.
  ولا فرق عندنا، ومالك، والشافعي: بين أن يأتي بالكناية في حال الغضب والرضاء، وعند الحنفية إنما يحد فيها إذا كان في حال الغضب؛ لأن الظاهر أنه أراد به نقصه وعيبه.
  إن قيل: فبم يفارق الصريح الكناية؟
  قلنا: فيه تردد، فعن الأمير الحسين يقبل صرفه بالكناية لا في الصريح، وقيل: يفترقان في الوضع لا في الحكم، وأما إذا عرض بالزنى ولم يذكر ما يقتضيه بأن يقول أنا لست بزان، أو الله يعرف من الزاني مني ومنك، أو يا ولد الحلال، فمذهبنا، وأبي حنيفة، والشافعي، وابن شبرمة، والثوري: لا يكون قاذفا.
  وقال مالك: يحد بذلك عند الغضب، ومنشأ الخلاف أن مالك