قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}
  وهو أن الحد وضع زجرا عن هذه الجريمة، فلو أسقط بالتوبة لاستجرأ الفسقة على الإعراض، فصار هذا الحد من حقوق الآدميين التي لا تؤثر فيها التوبة، بل لا بد من التخلص منها ولا خلاف أنه يعود إلى الجملة الثالثة وهي قوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}
  واختلفوا في عوده إلى الجملة الثانية وهي قوله: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً}.
  فقال أهل المذهب، ومالك، والشافعي: إن الاستثناء يعود إليها فتقبل شهادته إذا تاب، وهذا مروي: عن عطاء، وطاوس، والزهري، والشعبي، وسعيد بن جبير، والضحاك.
  وقال أبو حنيفة، وشريح، وابن المسيب، والحسن، وإبراهيم، ورواه في الكافي عن زيد بن علي: أن شهادته لا تقبل، وإن تاب، وسبب الخلاف أمران:
  الأول: أن من قبلت شهادته بالتوبة احتج بحديث عمر أنه لما جلد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنى فقال لهم: توبوا تقبل شهادتكم، فتاب اثنان وهما سهل بن معبد قيل وزياد(١). وقيل: رافع، فقبل شهادتهما، ولم يتب أبو بكرة فلم يقبل شهادته، ولم يخالفه أحد.
  وكذلك قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}[الطلاق: ٢٢] والقاذف بعد التوبة عدل، ومن قال: ترد شهادته تمسك بقوله تعالى: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً} وجعل رد الشهادة على التأبيد، والجلد جزاء للشرط الذي في الرمي، فكان ذلك قاضيا برد شهادتهم في أبديّتهم وهي مدة حياتهم، وجعل قوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} كلاما مستأنفا غير داخل في جزاء الشرط بل حكاية لحال الرامين عند الله بعد انقضاء الجملة الشرطية.
(١) أما زياد فلم يقذف لأنه تراخى في شهادته تمت.