تفسير الثمرات اليانعة،

يوسف بن أحمد الثلائي (المتوفى: 832 هـ)

قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم}

صفحة 386 - الجزء 4

  الأمر الثاني: أن الاستثناء إذا ورد عقيب جمل معطوف بعضها على بعض هل يرجع إلى الجميع أو إلى ما يليه، وهذه مسألة خلاف بين الأصوليين، فقال أهل المذهب والشافعي: إنه يرجع إلى جميعها إلا أن يمنع مانع كالجلد في آية القذف، فإنه لا خلاف أنه لا يسقط بالتوبة.

  وقال أبو حنيفة: إنه يرجع إلى الجملة الآخرة، إلا أن يتعذر كقوله: على لزيد خمسة وخمسة إلا سبعة.

  قال أبو الحسن البصري: إن كان الثاني فيه إضراب عن الأول لم يرجع إلى الأول نحو اضرب بني تميم، والفقهاء هم أصحاب أبي حنيفة إلا أهل البلد الفلاني وما شابه هذا من القرائن التي تقضي بالإضراب، وقد ذكر قاضي القضاة مثل هذا.

  قال أبو الحسين: أما لو أضمر في الثاني شيء مما في الأول رجع إليها نحو أكرم ربيعة واستأجرهم إلا من قام، وآية القذف فيها الإضمار.

  وقال الغزالي وغيره بالتوقف؛ لأن الكلام محتمل وهو يصح رجوعه إلى جميعها، وإلى بعضها.

  وقد ورد في كتاب الله تعالى أن الواو للعطف، وورد أنها للابتداء، وهذا يوجب أن تكون الواو في الآية محتملة لأحد الأمرين، إما أن يكون قوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ} جملة ابتدائية فيرد الاستثناء إليها، أو عاطفة فيكون الاستثناء بعدها محتملا، هل يرجع إليه لأنها المجاورة أو إلى الحمل إلّا ما منع منه مانع كالجملة الأولى، وهي قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً}.

  ومثال ورودها للابتداء نحو قوله: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ}⁣[الحج: ٥] وقوله تعالى: {فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ}⁣[النور: ٢٤].